(الثالثة وعشرون) ينبغي للثاقب البصيرة (1) في الخيرات أن يستحضر الوجوه الحاصلة في العمل الواحد ويقصد قصدها بأجمعها لينفرد كل واحد منها بنفسه وتصير حسنة مستقلة أجرها عشرا إلى أضعاف كثيرة وبحسب التوقيف تتكثر تلك الوجوه، مثاله: الجلوس في المسجد، فإنه يمكن اشتماله على نحو من عشرين وجها لأنه في نفسه طاعة، وهو بيت الله وداخله زائر الله، ومنتظر للصلاة ومشغول بالذكر والتلاوة أو سماع العلم، ومشغول عن المعاصي، والمباحات والمكروهات بكونه فيه، والتأهب بكف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات في غير طاعة الله تعالى، وعلوق (2) الهمة على الله ولزوم الفكر في أمر الآخرة حيث يسكت عن الذكر، وإفادة العلم واستفادته والمجالسة لأهله والاستماع له ومحبته ومحبة أهله، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمكروه.
وقد نبه على ذلك كلام أمير المؤمنين عليه السلام: من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثماني: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء (3).
فإذا استحضر العارف هذه الأمور اجمالا أو تفصيلا وقصدها تعدد بذلك عمله فتضاعف جزاؤه فبلغ بذلك أعمال المتقين وتصاعد في درجات المقربين وعلى ذلك يحمل أشباهه من الطاعات.