الحديث، وقوى أمره. وروى عن أحمد أنه قال: ما أحسن حديثه. والحديث اشتمل على ست صور منهى عنها: الأولى بيع ما في بطون الحيوان وهو مجمع على تحريمه. والثانية اللبن في الضروع وهو مجمع عليه أيضا وقد تقدم. والثالثة العبد الآبق، وذلك لتعذر تسليمه، والرابعة شراء المغانم قبل القسمة، وذلك لعدم الملك. والخامسة شراء الصدقات قبل القبض، فإنه لا يستقر ملك المتصدق عليه إلا بعد القبض، إلا أن استثنى الفقهاء من ذلك بيع المصدق للصدقة قبل بعد التخلية فإنه يصح، لأنهم جعلوا التخلية كالقبض في حقه. السادسة ضربة الغائص وهو أن يقول: أغوص في البحر غوصة بكذا فما خرج فهو لك، والعلة في ذلك هو الغرر.
41 - (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر. رواه أحمد، وأشار إلى أن الصواب وقفه) وهو دليل على حرمة بيع السمك في الماء وقد علله بأنه غرر، وذلك لأنه تختفى في الماء حقيقته ويرى الصغير كبيرا وعكسه، وظاهره النهى عن ذلك مطلقا. وفصل الفقهاء في ذلك فقالوا:
إن كان في ماء كثير لا يمكن أخذه إلا بتصيد، ويجوز عدم أخذه فالبيع غير صحيح، وإن كان في ماء لا يفوت فيه ويؤخذ بتصيد فالبيع صحيح ويثبت فيه الخيار بعد التسليم وإن كان لا تحتاج إلى تصيد فالبيع صحيح ويثبت فيه خيار الرؤية، وهذا التفصيل يؤخذ من الأدلة والتعليل المقتضى للالحاق يخصص عموم النهى.
42 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال. نهى رسول الله صلى عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم) بضم المثناة الفوقية وكسر العين يبدو صلاحها (ولا يباع صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع. رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني، وأخرجه أبو داود في المرسل لعكرمة) وهو الراجح (وأخرجه أيضا موقوفا على ابن عباس باسناد قوى ورجحه البيهقي) اشتمل الحديث على ثلاث مسائل: الأولى النهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ويطيب أكلها ويأتي الكلام في ذلك. الثانية النهى عن بيع الصوف على الظهر، وفيه قولان للعلماء: الأول أنه لا يصح عملا بالحديث، ولأنه يقع الاختلاف في موضع القطع من الحيوان فيقع الاضرار به وهذا قول الهادوية والشافعي وأبي حنيفة. والقول الثاني أنه يصح البيع لأنه مشاهد يمكن تسليمه فيصح كما صح من المذبوح، وهذا قول مالك ومن وافقه قالوا: والحديث موقوف على ابن عباس، والقول الأول أظهر، ولحديث قد تعاضد فيه المرسل والموقوف، وقد صح النهى عن الغرر والغرر حاصل فيه. والثالثة النهى عن بيع اللبن في الضرع لما فيه من الغرر. وذهب سعيد بن جبير إلى جوازه قال لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الصرع خزانة في قوله فيمن يحلب فيمن يحلب شاة أخيه بغير إذنه (يعمد أحد لم إلى خزانة أخيه ويأخذ ما فيها) وأجيب بأن تسميته خزانة مجاز، ولئن سلم فبيع ما في الخزانة، بيع غرر، ولا يدرى بكميته وكيفيته.
43 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى