(وتستحد) بسين وحاء مهملتين (المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة بعدها مثناة تحتية ساكنة فموحدة مفتوحة التي غاب عنها زوجها (متفق عليه). فيه دليل على أنه يحسن التأني للقادم على أهله حتى يشعروا بقدومه قبل وصوله بزمان يتسع لما ذكر من تحسين هيئات من غاب عنهن أزواجهن من الامتشاط وإزالة الشعر بالموسى مثلا من المحلات التي يحسن إزالته منها وذلك لئلا يهجم على أهله وهم في هيئة غير مناسبة فينفر الزوج عنهن والمراد إذا سافر سفرا يطيل فيه الغيبة كما دل له قوله. (وفي رواية البخاري) أي عن جابر (إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا) قال أهل اللغة: الطروق المجئ بالليل من سفر وغيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال في النهار إلا مجازا وقوله: ليلا ظاهره تقييد النهي بالليل وأنه لا كراهة في دخوله إلى أهله نهارا من غير شعورهم واختلف في علة التفرقة بين الليل والنهار. فعلل البخاري في ترجمة الباب بقوله: باب لا يطرق الرجل أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يتلمس عثراتهم فعلى هذا التعليل يكون الليل جزء العلة لان الريبة تغلب في الليل وتندر في النهار وإن كانت العلة ما صرح به. وهو قوله لكي تمتشط إلى آخره فهو حاصل في الليل والنهار. قيل: ويحتمل أن يكون معتبرا على كلا التقديرين، فإن الغرض منه التنظيف والتزيين وتحصيل لكمال الغرض من قضاء الشهوة وذلك في الأغلب يكون في الليل فالقادم في النهار يتأنى ليحصل لزوجته التنظيف والتزيين لوقت المباشرة، وهو الليل بخلاف القادم في الليل. وكذلك ما يخشى منه من العثور على وجود أجنبي، وهو في الأغلب يكون في الليل. وقد أخرج ابن خزيمة عن ابن عمر قال: نهى رسول الله (ص) أن تطرق النساء ليلا فطرق رجلان كلاهما فوجد - يريد كل واحد منهما - مع امرأته ما يكره. وأخرج أبو عوانة في صحيحه من حديث جابر: أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا. وفي الحديث الحث على البعد عن تتبع عورات الأهل، والحث على ما يجلب التودد والتحاب بين الزوجين وعدم التعرض لما يوجب سوء الظن بالأهل، وبغيرهم أولى. وفيه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين به المرأة لزوجها محبوب للشرع، وأنه ليس من تغيير خلق الله المنهي عنه.
5 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته) من أفضى الرجل إلى المرأة جامعها أو خلا بها جامع أو لا، كما في القاموس (وتفضي إليه ثم ينشر سرها) أي وتنشر سره (أخرجه مسلم) إلا أنه بلفظ إن من أشر الناس. قال القاضي عياض: وأهل النحو يقولون: لا يجوز أشر وأخير وإنما يقال هو خير منه وشر منه.
قال: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جوازهما جميعا وأنهما لغتان. والحديث دليل على تحريم إفشاء الرجل ما يقع بينه وبين امرأته من أمور الوقاع