فجعل ذلك مستندا إلى كون الوليمة غير واجبة ولا يخفى ما فيه. واختلف العلماء في وقت الوليمة هل هي العقد أو عقبه أو عند الدخول وهي أقوال في مذهب المالكية. ومنهم من قال عند العقد وبعد الدخول. وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول قال السبكي: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول وكأنه يشير إلى قصة زواج زينب بنت جحش لقول أنس: أصبح - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب فدعا القوم، وقد ترجم عليه البيهقي باب وقت الوليمة. وأما مقدارها فظاهر الحديث أن الشاة أقل ما تجزئ إلا أنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة وغيرها بأقل من شاة وأولم على زينب بشاة. وقال أنس: لم يؤلم على غير زينب بأكثر مما أولم عليها إلا أنه أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها بمكة عام القضية - وطلب من أهل مكة أن يحضروا فامتنعوا - بأكثر من وليمته على زينب وكأن أنسا يريد أنه وقع في وليمة زينب بالشاة من البركة في الطعام ما لم يقع في غيرها فإنه أشبع الناس خبزا ولحما فكأن المراد لم يشبع أحدا خبزا ولحما في وليمة من ولائمه صلى الله عليه وسلم أكثر مما وقع في وليمة زينب. 2 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها متفق عليه، ولمسلم) أي: عن ابن عمر مرفوعا: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه). الحديث الأول دال على وجوب الإجابة إلى الوليمة والثاني دال على وجوبها إلى كل دعوة ولا تعارض بين الروايتين وإن كانا عن راو واحد. وقد أخذت الظاهرية وبعض الشافعية بظاهره فقالوا: تجب الإجابة إلى الدعوة مطلقا. وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين. ومنهم من فرق بين وليمة العرس وغيرها فنقل ابن عبد البر وعياض والنووي الاتفاق على وجوب إجابة وليمة العرس وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك. وعن البعض فرض كفاية وفي كلام الشافعي ما يدل على وجوب الإجابة في وليمة العرس وعدم الرخصة في غيرها فإنه قال: إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أرخص لاحد في تركها ولو تركها لم يتبين أنه عاص كما تبين لي فوليمة العرس. وفي البحر للمهدي حكاية إجماع العترة على عدم وجوب الإجابة في الولائم كلها. هذا وعلى القول بالوجوب فقد قال ابن دقيق العيد في شرح الالمام وقد يسوغ ترك الإجابة لاعذار: منها أن يكون في الطعام شبهة أو يخص بها الأغنياء أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه أو لا يليق لمجالسته أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه أو ليعاونه على باطل أو يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فراش حرير أو ستر لجدران البيت أو صورة في البيت أو يعتذر إلى الداعي فيتركه أو كانت في الثالث كما يأتي فهذه الاعذار ونحوها في تركها على القول بالوجوب وعلى القول بالندب بالأولى. وهذا مأخوذ مما علم من الشريعة ومن قضايا وقعت للصحابة كما في البخاري أن أبا أيوب دعاه ابن عمر فرأى في البيت
(١٥٥)