وأن المراد حمله حقيقة لإرادة القتال ويدل له قوله: علينا وقوله: فليس منا تقدم بيانه بأن المراد ليس على طريقتنا وهدينا. فإن طريقته صلى الله عليه وسلم نصر المسلم والقتال دونه لا ترويعه وإخافته وقتاله. وهذا في غير المستحل فإن استحل القتال للمسلم بغير حق فإنه يكفر باستحلاله المحرم القطعي. والحديث دليل على تحريم قتال المسلم والتشديد فيه وأما قتال البغاة من أهل الاسلام فإنه خارج من عموم هذا الحديث بدليل خاص.
2 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة) بكسر الميم مصدر نوعي (جاهلية أخرجه مسلم). قوله عن الطاعة: أي طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الاسلامية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم. إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الاسلام لقلت فائدته. وقوله: وفارق الجماعة أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم . قوله: فميتته ميتة جاهلية أي منسوبة إلى أهل الجهل والمراد به من مات على الكفر قبل الاسلام وهو تشبيه لميتة من فارق الجماعة بمن مات على الكفر بجامع أن الكل لم يكن تحت حكم إمام فإن الخارج عن الطاعة كأهل الجاهلية لا إمام له. وفي الحديث دليل على أنه إذا فارق أحد الجماعة ولم يخرج عليهم ولا قاتلهم أنا لا نقاتله لنرده إلى الجماعة ويذعن للامام بالطاعة. بل نخليه وشأنه لأنه لم يأمر (ص) بقتاله بل أخبر عن حال موته وأنه كأهل الجاهلية ولا يخرج بذلك عن الاسلام. ويدل له ما ثبت من قول علي رضي الله عنه للخوارج: كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا ولا تظلموا أحدا فإن فعلتم نفذت إليكم بالحرب. وهذا ثابت عنه بألفاظ مختلفة. أخرجه أحمد والطبراني والحاكم من طريق عبد الله بن شداد. قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام. فدل على أن مجرد الخلاف على الامام لا يوجب قتال من خالفه.
3 - (وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص): تقتل عمارا الفئة الباغية رواه مسلم). تمامه في مسلم: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.
قال ابن عبد البر: تواترت الاخبار بهذا وهو من أصح الحديث، وقال ابن دحية: لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية. وإنما قال معاوية: قتله من جاء به ولو كان فيه شك لرده وأنكره حتى أجاب عمرو بن العاص على معاوية فقال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حمزة؟. وأمما نقله المصنف في التلخيص وتبعه الشارح في نقله من أنه نقل ابن الجوزي عن خلاد في العلل أنه حكى عن أحمد أنه قال: قد روي هذا الحديث من