لعانهما، وهو المشهور عند المالكية وبه قالت الظاهرية. واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم من قوله (ص): (ذلكم التفريق بين كل متلاعنين). وقال ابن العربي: أخبر (ص) بقوله: (ذلكم) عن قوله: (لا سبيل لك عليها). قال: وكذا حكم كل متلاعنين.
فإن كان الفراق لا يكون إلا بحكم فقد نفذ الحكم فيه من الحاكم الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله ذلكم التفريق بين كل متلاعنين. قالوا: وقوله فرق بينهما معناه إظهار ذلك وبيان حكم الشرع فيه لا أنه أنشأ الفرقة بينهما. قالوا: فأما طلاقه إياها فلم يكن عن أمره صلى الله عليه وسلم وبأنه لم يزد التحريم الواقع باللعان إلا تأكيدا فلا يحتاج إلى إنكاره. وبأنه لو كان لا فرقة إلا بالطلاق لجاز له الزواج بها بعد أن تنكح زوجا غيره. وقد أخرج أبو داود عن ابن عباس الحديث وفيه: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها. وأخرج أبو داود من حديث سهل بن سعد في حديث المتلاعنين قال: مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا. وأخرجه البيهقي بلفظ: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال:
لا يجتمعان أبدا. وعن علي وابن مسعود قالا: مضت السنة بين المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدا " وعن عمر يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا. الرابعة: اختلف العلماء في فرقة اللعن هل هي فسخ أو طلاق بائن فذهبت الهادوية والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنها فسخ مستدلين بأنها توجب تحريما مؤبدا فكانت فسخا كفرقة الرضاع إذ لا يجتمعان أبدا. ولان اللعان ليس صريحا في الطلاق ولا كناية فيه. وذهب أبو حنيفة إلى أنها طلاق بائن مستدلا بأنها لا تكون إلا من زوجة فهي من أحكام النكاح المختصة فهي طلاق إذ هو من أحاكم النكاح المختصة بخلاف الفسخ فإنه قد يكون من أحكام غيره النكاح كالفسخ بالعيب. وأجيب بأنه لا يلزم من اختصاصه بالنكاح أن يكون طلاقا كما أنه لا يلزم فيه نفقة ولا غيرها. الخامسة: وهي فرع الرابعة: اختلفوا لو أكذب نفسه بعد اللعان هل تحل له الزوجة فقال أبو حنيفة: تحل له لزوال المانع وهو قول سعيد بن المسيب فإنه قال: فإن أكذب نفسه فإنه خاطب من الخطاب. وقال ابن جبير ترد إليه ما دامت في العدة. وقال الشافعي وأحمد: لا تحل له أبدا لقوله (ص) لا سبيل لك عليها. قلت: قد يجاب عنه بأنه (ص) قاله لمن التعن ولم يكذب نفسه. السادسة: في حديث لعان هلال بن أمية أنه قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء الحديث عند أبي داود وغيره. قال الخطابي: فيه من الفقه أن الزوج إذا قذف امرأته برجل بعينه ثم تلاعنا فإن اللعان يسقط عنه الحد فيصير في التقدير ذكره المقذوف به تبعا ولا يعتبر حكمه وذلك أنه قال صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية البينة أو حد في ظهرك فلما تلاعنا لم يتعرض لهلال بالحد. ولا يروى في شئ من الاخبار أن شريك بن سحماء عفا عنه فعلم أن الحد الذي كان يلزمه بالقذف سقط عنه باللعان وذلك لأنه مضطر إلى ذكر من يقذفها به لإزالة الضرر عن نفسه فلم يحمل نفسه على القصد له بالقذف وإدخال الضرر عليه. قلت: ولا يخفى أنه لا ضرورة في تعيين من قذفها به. قال