كتاب النكاح النكاح لغة الضم والتداخل ويستعمل في الوطئ: وفي العقد قيل مجاز من إطلاق اسم المسبب على السبب وقيل إنه حقيقة فيهما وهو مراد من قال إنه مشترك فيهما، وكثر استعماله في العقد فقيل إنه فيه حقيقة شرعية ولم يرد في الكتاب العزيز إلا في العقد.
1 - (عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة) بالباء الموحدة والهمزة والمد (فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وجاء) بكسر الواو والجيم والمد (متفق عليه). وقع الخطاب منه للشباب لأنهم مظنة الشهوة للنساء. واختلف العلماء في المراد بالباءة والأصح أن المراد بها الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر مائه كما يقطع الوجاء. ووقع في رواية ابن حبان مدرجا تفسير الوجاء بأنه الاخصاء وقيل الوجاء رض الخصيتين والاخصاء سلبهما والمراد أن الصوم كالوجاء. والامر بالتزوج يقتضي وجوبه مع القدرة على تحصيل مؤنته وإلى الوجوب ذهب داود وهو رواية عن أحمد. وقال ابن حزم: وفرض على كل قادر على الوطئ إن وجد أن يتزوج أو يتسرى فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وقال:
إنه قول جماعة من السلف. وذهب الجمهور إلى أن الامر للندب مستدلين بأنه تعالى خير بين التزوج والتسري بقوله: * (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * والتسري لا يجب إجماعا فكذا النكاح لأنه لا تخيير بين واجب وغير واجب إلا أن دعوى الاجماع غير صحيحة لخلاف داود وابن حزم. وذكر ابن دقيق العيد أن من الفقهاء من قال بالوجوب على من خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر عليه التسري وكذا حكاه القرطبي فيجب على من لا يقدر على ترك الزنا إلا به. ثم ذكر من يحرم عليه ويكره ويندب له ويباح. فيحرم على من يخل بالزوجة في الوطئ والانفاق مع قدرته عليه وتوقانه إليه. ويكره في حق مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة. والإباحة فيما إذا انتفت الدواعي والموانع. ويندب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطئ شهوة لقوله (ص): فإني مكاثر بكم الأمم ولظواهر الحث على النكاح والامر به. وقوله: فعليه بالصوم إغراء بلزوم الصوم. وضمير عليه يعود إلى من فهو مخاطب في المعنى. وإنما جعل الصوم وجاء لأنه بتقليل الطعام والشراب يحصل للنفس انكسار عن الشهوة ولسر جعله الله تعالى في الصوم فلا ينفع تقليل الطعام وحده من دون صوم. واستدل به الخطابي على جواز التداوي لقطع الشهوة بالأدوية، وحكاه البغوي في شرح السنة ولكن ينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة ولا يقطعها