قوله: ولم يرها شيئا على أنه لم يعدها شيئا صوابا غير خطأ بل يؤمر صاحبه ألا يقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة ولو كان طلقها طاهرا لم يؤمر بذلك. فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه إنه لم يصنع شيئا أي لم يصنع شيئا صوابا. وقد أطال ابن القيم الكلام على نصرة عدم الوقوع ولكن بعد ثبوت أنه (ص) حسبها تطليقة تطيح كل عبارة ويضيع كل صنيع وقد كنا نفتي بعدم الوقوع وكتبنا فيه رسالة وتوقفنا مدة ثم رأينا وقوعه.
(تنبيه) ثم إنه قوي عندي ما كنت أفتي به أولا من عدم الوقوع لأدلة قوية سقتها في رسالة سميناها الدليل الشرعي في عدم وقوع الطلاق البدعي ومن الأدلة أنه مسمى ومنسوب إلى البدعة وكل بدعة ضلالة والضلالة لا تدخل في نفوذ حكم شرعي ولا يقع بها بل هي باطلة. ولان الرواة لحديث ابن عمر اتفقوا على أن المسند المرفوع في هذا الحديث غير مذكور فيه أن النبي (ص) حسب تلك التطليقة على ابن عمر ولا قال له قد وقعت ولا رواه ابن عمر مرفوعا. بل في صحيح مسلم ما دل على أن وقوعها إنما هو رأي لابن عمر وأنه سئل عن ذلك فقال: وما لي لا أعتد بها وإن كنت قد عجزت واستحمقت.
وهذا يدل على أنه لا يعلم في ذلك نصا نبويا لأنه لو كان عنده لم يترك روايته ويتعلق بهذه العلة العليلة فإن العجز والحمق لا مدخل لهما في صحة الطلاق. ولو كان عنده نص نبوي لقال: وما لي لا أعتد بها وقد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتد بها. وقد صرح الامام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير بأنه قد اتفق الرواة على عدم رفع الوقوع في الرواية إليه صلى الله عليه وسلم. وقد ساق السيد محمد ست عشر حجة على عدم وقوع الطلاق البدعي ولخصناها في رسالتنا المذكورة وبعد هذا تعرف رجوعنا عما هنا فيلحق هذا في نسخ سبل السلام. وأما الاستدلال على الوقوع بقوله فليراجعها ولا رجعة إلا بعد طلاق فهو غير ناهض لان الرجعة المقيدة ببعد الطلاق عرف شرعي متأخر إذ هي لغة أعم من ذلك.
ودل الحديث على تحريم الطلاق في الحيض وبأن الرجعة يستقل بها الزوج من دون رضا المرأة والولي لأنه جعل ذلك إليه ولقوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) *. وبأن الحامل لا تحيض لقوله: طاهرا أو حاملا فدل على أنها لا تحيض لاطلاق الطلاق فيه. وأجيب بأن حيض الحامل لما لم يكن له أثر في تطويل العدة لم يعتبر لان عدتها بوضع الحمل وأن الأقراء في العدة هي الأطهار. قال الغزالي: ويستثنى من تحريم طلاق الحائض طلاق المخالعة، لان النبي صلى الله وسلم لم يستفصل حال امرأة ثابت هل هي طاهرة أو حائض مع أمره له بالطلاق. والشافعي يذهب إلى أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
3 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة) بفتح الهمزة أي مهملة (فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم رواه مسلم). الحديث ثابت من طرق عن ابن عباس. وقد استشكل أنه