أعذار كلها غير ناهضة. وقد كتبنا في ذلك رسالة جواب سؤال أوضحنا فيها قوة القول بوجوب التسوية وأن الهبة مع عدمها باطلة.
2 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي (ص):
العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه متفق عليه. وفي رواية للبخاري:
ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يقئ ثم يرجع في قيئه). فيه دلالة على تحريم الرجوع في الهبة وهو مذهب جماهير العلماء وبوب له البخاري - باب لا يحل لاحد أن يرجع في هبته وصدقته -. وقد استثنى الجمهور ما يأتي من الهبة للولد ونحوه. وذهبت الهادوية وأبو حنيفة إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة إلا الهبة لذي رحم. قالوا: والحديث المراد به التغليظ في الكراهة. قال الطحاوي: قوله كالعائد في قيئه وإن اقتضى التحريم لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهو قو له: كالكلب تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه والمراد التنزه عن فعل يشبه فعل الكلب. وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له وعرف الشرع في مثل هذه العبارة الزجر الشديد كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب ونقر الغراب والتفات الثعلب ونحوه ولا يفهم من المقام إلا التحريم والتأويل البعيد لا يلتفت إليه ويدل على التحريم الحديث الآتي وهو:
3 - (وعن ابن عمر وابن عباس عن النبي (ص) قال:
لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم). فإن قوله لا يحل ظاهر في التحريم والقول بأنه مجاز عن الكراهة الشديدة صرف له عن ظاهره. وقوله إلا الوالد دليل على أنه يجوز للأب الرجوع فيما وهبه لابنه كبيرا كان أو صغيرا واختصه الهادوية بالطفل وهو خلاف ظاهر الحديث. وفرق بعض العلماء فقال: يحل الرجوع في الهبة دون الصدقة لان الصدق يراد بها ثواب الآخرة وهو فرق غير مؤثر في الحكم.
وحكم الأم حكم الأب عند أكثر العلماء. نعم وخص الهادي ما وهبته الزوجة لزوجها من صداقها بأنه ليس لها الرجوع في ذلك، ومثله رواه البخاري عن النخعي وعمر بن عبد العزيز تعليقا. وقال الزهري: يرد إليها إن كان خدعها. وأخرج عبد الرزاق بسند منقطع: إن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت.
4 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) يقبل الهدية ويثيب عليها رواه البخاري). فيه دلالة على أن عادته (ص) كانت جارية بقبول الهدية والمكافأة عليها. وفي رواية لابن أبي شيبة: ويثيب عليها ما هو خير منها. وقد استدل به على وجوب الإثابة على الهدية إذ كونه عادة له (ص) مستمرة يقتضي لزومه ولا يتم به الاستدلال على الوجوب لأنه قد يقال إنما فعله (ص) مستمرا