إنما قدمت الوصية لأنها شئ يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان اخراج الوصية أشق على الوارث من اخراج الدين وكان أداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين، قدمت الوصية لذلك، لأنها حظ الفقير والمسكين غالبا والدين حظ الغريم يطلبه بقوة وله مقال، ولان الوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلا ف الدين فإنه مطلوب منه ذكر أو لم يذكر. أو لان الوصية ممكنة من كل أحد تتعلق بذمته إما ندبا أو وجوبا فيشترك فيها جميع المخاطبين وتقع بالمال وبالعمل وقل ما يخلو عن ذلك بخلاف الدين، وما يكثر وقوعه أهم بأن يذكر أولا مما يقل وقوعه.
باب الوديعة الوديعة هي العين التي يضعها مالكها أو نائبه عند آخر ليحفظها وهي مندوبة إذا وثق من نفسه بالأمانة لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى * وقوله صلى الله عليه وسلم:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أخرجه مسلم. وقد تكون واجبة إذا لم يكن من يصلح لها غيره وخاف الهلاك عليها إن لم يقبلها.
1 - (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (ص) قال:
من أودع وديعة فليس عليه ضمان أخرجه ابن ماجة وإسناده ضعيف). وذلك أن في رواته المثنى بن الصباح وهو متروك. وأخرجه الدارقطني بلفظ: ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان وفي إسناده ضعيفان. قال الدارقطني:
وإنما يوري هذا عن شريح غير مرفوع وفسر المغل في رواية الدارقطني بالخائن وقيل هو المستغل. وفي الباب آثار عن أبي بكر وعلي وابن مسعود وجابر أن الوديعة أمانة وفي بعضها مقال. ويغني عن ذلك الاجماع فإنه وقد على أنه ليس على الوديع ضمان إلا ما يروى عن الحسن البصري أنه إذا اشترط الضمان فإنه يضمن وقد تؤول بأنه مع التفريط. والوديعة قد تكون باللفظ كاستودعتك ونحوه من الألفاظ الدالة على الاستحفاظ ويكفي القبول لفظا. وقد تكون بغير لفظ كأن يضع في حانوته وهو حاضر ولم يمنعه من ذلك أو في المسجد وهو غير مصل وأما إذا كان في الصلاة فلا لأنه لا يمكنه إظهار الكراهة. وفي باب الوديعة تفاصيل في الفروع كثيرة. قوله: (وباب قسم الصدقات) بين الأصناف الثمانية (في آخر الزكاة) وهو أليق بالاتصال به (وباب قسم الفئ والغنيمة يأتي عقب الجهاد إن شاء الله) وهو أولى بأن يلي الجهاد لأنه من توابعه. وإنما ذكر المصنف هذا لأنها جرت عادة كتب فروع الشافعية على جعل هذين البابين قبيل كتاب النكاح والمصنف خالفهم فألحقهما بما هو أليق بهما.