عنه قول عمر: فلو أمضيناه فإنه ظاهر في أنه لم يكن مضى في ذلك العصر حتى رأى إمضاءه وهو دليل وقوعه في عصر النبوة لكنه ليمض فليس فيه أنه كان وقوع الثلاث دفعة نادرا في ذلك العصر. الخامس: أن قول ابن عباس: كان طلاق الثلاث ليس له حكم الرفع فهو موقوف عليه. وهذا الجواب ضعيف لما تقرر في أصول الحديث وأصول الفقه أن كنا نفعل وكانوا يفعلون) له حكم الرفع. السادس: أنه أريد بقوله: طلاق الثلاث واحدة هو لفظ البتة إذا قال: أنت طالق البتة وكما سيأتي في حديث ركانة فكان إذا قال القائل ذلك قبل تفسيره بالواحدة وبالثلاث فلما كان في عصر عمر لم يقبل منه التفسير بالواحدة. قيل: وأشار إلى هذا البخاري فإنه أدخل في هذا الباب الآثار التي فيها البتة والأحاديث فيها التصريح بالثلاث كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما وأن البتة إذا أطلقت حملت على الثلاث إلا إذا أراد المطلق واحدة فيقبل فروى بعض الرواة البتة بلفظ الثلاث يريد أن أصل حديث ابن عباس كان طلاق البتة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر إلى آخره.
قلت: ولا يخفى بعد هذا التأويل وتوهيم الراوي في التبديل. ويبعده أن الطلاق بلفظ البتة في غاية الندور فلا يحمل عليه ما وقع، كيف وقول عمر: قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة يدل أن ذلك واقع أيضا في عصر النبوة. والأقرب أن هذا رأي من عمر ترجح له كما منع من متعة الحج وغيرها وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله (ص) وكونه خالف ما كان على عهده صلى الله عليه وسلم فهو نظير متعة الحج بلا ريب. والتكلفات في الأجوبة ليوافق ما ثبت في عصر النبوة لا يليق فقد ثبت عن عمر اجتهادات يعسر تطبيقها على ذلك نعم إن أمكن التطبيق على وجه صحيح فهو المراد.
4 - (وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه) ابن أبي رافع الأنصاري الأشهلي ولد على عهد رسول الله (ص) وحدث عنه أحاديث قال البخاري: له صحبة وقال أبو حاتم لا نعرف له صحبة وذكره مسلم في التابعين وكان من العلماء مات سنة ست وتسعين وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له أحاديث ليس فيها شئ صرح فيه بالسماع (قال: أخبر النبي الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ رواه النسائي ورواته موثقون). الحديث دليل على أن جمع الثلاث التطليقات بدعة واختلف العلماء في ذلك فذهب الهادوية وأبو حنيفة ومالك إلى أنه بدعة. وذهب الشافعي وحمد والامام يحيى إلى أنه ليس ببدعة ولا مكروه. واستدل الأولون بغضبه (ص) وبقوله " أيلعب بكتاب الله وبما أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس: أن عمر كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره ضربا وكأنه أخذ تحريمه من قوله صلى الله عليه وسلم: أيلعب بكتاب الله. استدل آخرون بقوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن) * وبقوله * (والطلاق مرتان) * وبما يأتي في حديث اللعان أنه طلقها الزوج ثلاثا بحضرته (ص) ولم ينكر عليه. وأجيب بأن الآيتين مطلقتان والحديث صريح بتحريم الثلاث فتقيد به