الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها لمجرد إمكان ذلك وهذا الامكان قد يقطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشا إلا بدخول محقق. قال في المنار: هذا هو المتيقن ومن أين لنا الحكم بالدخول بمجرد الامكان فإن غايته أنه مشكوك فيه ونحن متعبدون في جميع الأحكام بعلم أو ظن والممكن أعم من المظنون. والعجب من تطبيق الجمهور بالحكم مع الشك فظهر لك قوة كلام ابن تيمية وهو رواية عن أحمد. هذا في ثبوت فراش الحرة وأما ثبوت فراش الأمة فظاهر الحديث شموله له وأن يثبت الفراش للأمة بالوطئ إذا كانت مملوكة للوطئ أو في شبهة ملك إذا اعترف السيد أو ثبت بوجه. والحديث وارد في الأمة ولفظه في رواية عائشة قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال: هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة. فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الولد لفراش زمعة للوليدة المذكورة فسبب الحكم ومحله إنما كان في الأمة، وهذا قول الجمهور وإليه ذهب الشافعي ومالك والنخعي وأحمد وإسحاق. وذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه لا يثبت الفراش للأمة إلا بدعوى الولد ولا يكفي الاقرار بالوطئ فإن لم يدعه فلا نسب له وكان ملكا لمالك الأمة. وإذا ثبت فراشها بدعوى أول ولد منها فما ولدته بعد ذلك لحق بالسيد وإن لم يدع المالك ذلك. قالوا: وذلك للفرق بين الحرة والأمة فإن الحرة تراد للاستفراش والوطئ بخلاف ملك اليمين فإن ذلك تابع وأغلب المنافع غيره. وأجيب بأن الكلام في الأمة التي اتخذت للوطئ فإن الغرض من الاستفراش قد حصل بها فإذا عرف الوطئ كانت فراشا ولا يحتاج إلى استلحاق. والحديث دال لذلك فإنه لما قال عبد بن زمعة: ولد على فراش أبي ألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بزمعة صاحب الفراش ولم ينظر إلى الشبه البين الذي فيه المخالفة للملحوق به. وتأولت الحنفية والهادوية حديث أبي هريرة بتأويلات كثيرة وزعموا أنه صلى الله عليه وسلم لم يلحق الغلام المتنازع فيه بنسب زمعة واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم أمر سودة بنت زمعة بالاحتجاب منه وأجيب بأنه أمرها بالاحتجاب منه على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين من بعض المباحات مع الشبهة وذلك لما رآه صلى الله عليه وسلم في الولد من الشبه بعتبة بن أبي وقاص. وللمالكية هنا مسلك آخر فقالوا:
الحديث دل على مشروعية حكم بين حكمين وهو أن يأخذ الفرع شبها من أكثر من أصل فيعطي أحكاما فإن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكما بين حكمين فروعي الفراش في إثبات النسب وروعي الشبه البين بعتبة في أمر سودة بالاحتجاب. قالوا: وهذا أولى التقديرين فإن الفرع إذا دار بين أصلين