التدرج بأعلى من هذا السعر، ثم من العلماء من حض هذا الحكم بالبادي وجعله قيد ومنهم من الحق به الحاضر إذا شاركه في عدم معرفة السعر وقال: ذكر البادى في الحديث خرج مخرج الغالب. فأما أهل القرى الذين يعرفون الأسعار فليسوا بداخلين في ذلك، ثم منهم من قيد ذلك بشرط العلم بالنهي وأن يكون المتاع المجلوب مما تعم به الحاجة وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي، فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع. وكل هذه القيود لا يدل عليها الحديث بل استنبطوها من تعليلهم للحديث بعلل متصيدة من الحكم. ثم قد عرفت أن الأصل في النهى التحريم وإلى هنا ذهبن طائفة من العلماء. وقال آخرون:
إن الحديث منسوخ وإنه جائز مطلقا كتوكيله والحديث النصيحة، ودعوى النسخ غير صحيحة لافتقارها إلى معرفة إلى معرفة التاريخ ليعرف المتأخر. وحديث النصيحة إذا استنصح أحد كم أخاه فلينصح له) مشروط فيه أنه إذا استنصحه نصحه بالقول لا أنه يتولى له البيع، وهذا في حكم بيع الحاضر للبادي، وكذا الحكم في الشراء له فلا يشترى حاضر لباد. وقد قال البخاري (باب لا يشترى حاضر لباد بالسمسرة) قال ابن حبيب المالكي: الشراء للبادي كالبيع لقوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض فان معناه الشراء، أخرج أبو عوانة في صحيحة عن ابن سيرين قال: (لقيت أنس بن مالك فقلت: لا يبع حاضر لباد أما نهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم) وأخرجه أبو داود، وعن ابن سيرين عن أنس كان يقال لا بيع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا. فان قيل قد لوحظ في النهى عن تلقى الجنوبة عدم غبن البادى، ولو حظ في النهى عن بيع الحاضر البادى الرفق بأهل البلد واعتبر فيه غبن البادى وهو كالتناقض. فالجواب أن الشارع يلاحظ مصلحة الناس ويقدم مصلحة الجماعة على الواحد لا الواحد على الجماعة. ولما كان البادى إذا باع لنفسه انتفع جميع أهل السوق، واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد لاحظ الشارع نفع أهل البلد على نفع البادى، ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقى خاصة وهو واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وقد تنضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق النصر بأهل السوق في انفراد التلقي عنهم في الرخص وقطع الموارد عليهم وهم أكثر من المتلقى. نظر الشارع لهم فلا تناقض بين المسألتين بل هما صحيحتان في الحكمة والمصلحة.
28 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تلقوا الجلب) بفتح اللام مصدر بمعنى المجلوب (فمن تلقى فاشترى منه فإذا أتى سيده فهو الخيار. رواه مسلم) تقدم الكلام عليه وأنه دليل على ثبوت الخيار للبائع، وظاهر ولو شراه المتلقى بسعر السوق فان الخيار. ثابت.
29 - (وعنه) أي أبي هريرة (قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع محاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيح الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة)