مع العلم ببراءة الرحم وإلى هذا ذهب الأكثرون. وذهب آخرون إلى أن الاستبراء إنما يكون في حق من لم يعلم براءة رحمها أما من علم براءة رحمها فلا استبراء عليها. وهذا رواه عبد الرزاق عن ابن عمر قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء. ورواه البخاري في الصحيح عنه وأخرج في الصحيح مثله عن علي رضي الله عنه من حديث بريدة. ويؤيد هذا القول مفهوم ما أخرجه أحمد من حديث رويفع: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكح ثيبا من السبايا حتى تحيض وإلى هذا ذهب مالك على تفصيل أفاده قول المازري من المالكية في تحقيق مذهبه حيث قال: إن القول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء وكل من غلب على الظن كونها حاملا أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها. وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فالمذهب على قولين في ثبوت الاستبراء وسقوطه وأطال بما خلاصته أن مأخذ مالك في الاستبراء إنما هو العلم بالبراءة فحيث لا تعلم ولا تظن البراءة وجب الاستبراء. وحيث تعلم أو تظن البراءة فلا استبراء وبهذا قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. والأحاديث الواردة في الباب تشير إلى أن العلة الحمل أو تجويزه وقد عرفت أن النص ورد في السبايا وقيس عليه انتقال الملك بالشراء أو غيره. وذهب داود الظاهري إلى أنه لا يجب الاستبراء في غير السبايا لأنه لا يقول بالقياس فوقف على محل النص ولان الشراء ونحوه عنده كالتزويج.
واعلم أن ظاهر أحاديث السبايا جواز وطئهن وإن لم يدخلن في الاسلام فإنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر في حل الوطئ إلا الاستبراء بحيضة أو بوضع الحمل ولو كان الاسلام شرطا لبينه وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يجوز والذي قضى به إطلاق الأحاديث وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز الوطئ للمسبية من دون إسلام وقد ذهب إلى هذا طاوس وغيره.
واعلم أن الحديث دل بمفهومه على جواز الاستمتاع قبل الاستبراء بدون الجماع وعليه دل فعل ابن عمر أنه قال: وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة قال: فما ملكت نفسي أن جعلت أقبلها والناس ينظرون. أخرجه البخاري.
19 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر متفق عليه من حديثه) أي أبي هريرة، قال ابن عبد البر:
إنه جاء عن بضع وعشرين نفسا من الصحابة. والحديث دليل على ثبوت نسب الولد بالفراش من الأب. واختلف العلماء في معنى الفراش فذهب الجمهور إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش وذهب أبو حنيفة إلى أنه اسم للزوج. ثم اختلفوا بماذا يثبت فعند الجمهور إنما يثبت للحرة بإمكان الوطئ في نكاح صحيح أو فاسد وهو مذهب الهادوية والشافعي وأحمد. وعند أبي حنيفة أنه يثبت بنفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل ولو طلقها عقيبه في المجلس. وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول المحقق واختاره تلميذه ابن القيم قال: وهل يعد أهل اللغة وأهل العرف المرأة فراشا قبل البناء بها وكيف تأتي