وذهب قوم إلى أنه يختص هذا الحكم بالطعام لا غيره من المبيعات، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يختص ذلك بالمنقول دون غيره لحديث زيد بن ثابت فإنه في السلع. والجواب أن ذكر حكم الخاص لا يخص به العام، وحديث حكيم عام فالعمل عليه وإليه ذهب الجمهور، وأنه لا يجوز البيع للمشترى قبل القبض مطلقا، وهو الذي دل له حديث حكيم واستنبطه ابن عباس.
(فائدة) أخرج الدارقطني من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان: صاع البائع وصاع المشترى) ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة باسناد حسن فذل على أنه إذا اشترى الشئ مكايلة وقبضه ثم باعه لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا، وبذلك قال الجمهور. وقال عطاء:
يجوز بيعه بالكيل الأول: وكأنه لم يبلغه الحديث، ولعل علة الامر بالكيل ثانيا التحقق بيع الجزاف، إلا أن في حديث ابن عمر أنهم كانوا يبتاعون الطعام جزافا، ولفظه كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله) أخرجه الجماعة إلا الترمذي. قال ابن قدامة: يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا، وإذا ثبت جواز بيع الجزاف خمل حديث الصاعين على أن المراد أنه إذا اشترى الطعام كيلا وأريد فلا بد من إعادة كيله للمشترى.
19 - (وعنه) أي أبي هريرة (قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة. رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان. ولأبي داود) من حديث أبي هريرة (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) قال الشافعي: له تأويلان:
أحدهما أن يقول بعتك بألفين نسيئة وبألف نقدا، فأيهما شئت أخذت به، وهذا بيع فاسد لأنه إيهام وتعليق. والثاني أن يقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك انتهى. وعلة النهى على الأول عدم استقرار الثمن ولزوم الربا عند من يمنع بيع الشئ بأكثر من سعر يومه لأجل النساء، وعلى الثاني لتعليقه بشرط مستقبل يجوز وقوعه وعدم وقوعه فلم يستقر الملك، وقوله فله أو كسبهما أو الربا) يعنى أنه إذا فعل ذلك فهو لا يخلو عن أحد الامرين: إما الأوكس الذي هو أخذ الأقل أو الربا وهذا مما يؤيد التفسير الأول.
20 - (وعن عمره بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك. ورآه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وأخرجه) أي الحاكم (في علوم الحديث من رواية أبي حنيفة عن عمرو المذكور بلفظ: نهى عن بيع وشرط، ومن هذا الوجه) يعنى الذي أخرجه الحاكم (أخرجه الطبراني في الأوسط وهو غريب) وقد رواه جماعة واستغربه النووي. والحديث اشتمل على أربع صور نهى عن البيع على صفتها: الأولى سلف وبيع وصورة ذلك حيث يريد الشخص أن يشترى سلعة بأكثر