أو استراحة يسيرة أو لشئ يلهيه ثم يعود من قريب لا يخرجها عن كونها رضعة واحدة كما أن الآكل إذا قطع أكله بذلك ثم عاد عن قريب كان ذلك أكلة واحدة. وهذا مذهب الشافعي في تحقيق الرضعة الواحدة وهو موافق للغة فإذا حصلت خمس رضعات على هذه الصفة حرمت.
2 - (وعنها) أي عائشة (قالت: قال رسول الله (ص): انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة متفق عليه). في الحديث قصة وهو أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك فقالت: إنه أخي فقال: انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة. قال المصنف:
لم أقف على اسمه وأظنه ابنا لأبي القعيس. وقوله: انظرن أمر بالتحقق في أمر الرضاعة هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاع ومقدار الارضاع فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط. وقال أبو عبيد: معناه أنه الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع وهو تعليل لامعان التحقق في شأن الرضاع وبأن الرضاع الذي تثبت به الحرمة وتحل به الخلوة هو حيث يكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعه لان معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير جزءا من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها. فمعناه لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة فهو في معنى حديث ابن مسعود الآتي: لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم وحديث أم سلمة: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء أخرجه الترمذي وصححه. واستدل به على أن التغذي بلبن المرضعة محرم سواء كان شرابا أو وجورا أو سعوطا أو حقنة حيث كان يسد جوع الصبي وهو قول الجمهور. وقالت الهادوية والحنفية لا تحرم الحقنة وكأنهم يقولون أنها لا تدخل تحت اسم الرضاع. قلت: إذا لوحظ المعنى من الرضاع دخل كل ما ذكروا. وإن لوحظ مسمى الرضاع فلا يشمل إلا التقام الثدي ومص اللبن منه كما تقوله الظاهرية فإنهم قالوا: لا يحرم إلا ذلك ولما حصر في الحديث الرضاعة على ما كان من المجاعة كما قد عرفت وقد ورد.
3 - (وعنها) أي عائشة (قالت: جاءت سهلة بنت سهيل فقالت: يا رسول الله إن سالما مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال؟ فقال: أرضعيه تحرمي عليه رواه مسلم). وفي سنن أبي داود: فأرضعيه خمسة رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة معارضا لذلك. وكأنه ذكره المصنف كالمشير إلى أنه قد خصص هذا الحكم بحديث سهلة فإنه دال على أن رضاع الكبير يحرم مع أنه ليس داخلا تحت الرضاعة من المجاعة.
وبيان القصة أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالما وزوجه وكان سالم مولى لامرأة من الأنصار فلما أنزل الله * (ادعوهم لآبائهم) * كان من له أب معروف نسب إلى أبيه ومن لا أب له معروف كان مولى وأخا في الدين، فعند ذلك جاءت سهلة تذكر ما نصه الحديث في الكتاب