فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها متفق عليه). دل على جواز أخذ الشئ الحقير الذي يتسامح به، ولا يجب التعريف به وأن الآخذ يملكه بمجرد الاخذ له. وظاهر الحديث أنه يجوز ذلك في الحقير وإن كان مالكه معروفا. وقيل: لا يجوز إلا إذا جهل. وأما إذا علم فلا يجوز إلا بإذنه وإن كان يسيرا. وقد أورد عليه أنه (ص) كيف تركها في الطريق مع أن على الامام حفظ المال الضائع وحفظ ما كان من الزكاة وصرفه في مصارفه. ويجاب عنه بأنه لا دليل على أنه (ص) لم يأخذها للحفظ وإنما ترك أكلها تورعا أو أنه تركها عمدا ليأخذها من يمر ممن تحل له الصدقة. ولا يجب على الامام إلا حفظ المال الذي يعلم طلب صاحبه له لا ما جرت العادة بالاعراض عنه لحقارته. وفيه حث على التورع عن أكل يجوز فيه أنه حرام.
2 - (وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه) هو أبو طلحة أو أبو عبد الرحمن نزل الكوفة ومات بها سنة ثمان وسبعين وهو ابن خمسين وثمانين سنة وروى عنه جماعة (قال: جاء رجل إلى النبي (ص)) لم يقم برهان على تعيين الرجل فسأله عن اللقطة) أي عن حكمها شرعا (فقال: اعرف عفاصها بكسر العين المهملة ففاء وبعد الألف صاد مهملة وعاءها ووقع في رواية خرقتها ووكاءها بكسر الواو ممدودا ما يربط به (ثم عرفها) بتشديد الراء سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال: فضالة الغنم) الضالة تقال على الحيوان. وما ليس بحيوان يقال له لقطة (قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب قال: فضالة الإبل قال: ما لك ولها معها سقاؤها أجوفها وقيل عنقها (وحذاؤها) بكسر الحاء المهملة فذال معجمة أي خفها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها متفق عليه). اختلف العلماء في الالتقاط هل هو أفضل أم الترك فقال أبو حنيفة: الأفضل الالتقاط لان من الواجب على المسلم حفظ ما أخيه ومثله قال الشافعي.
وقال مالك وأحمد: تركه أفضل لحديث: ضالة المؤمن حرق النار ولما يخاف من التضمين والدين. وقال قوم: بل الالتقاط واجب وتأولوا الحديث بأنه فيمن أراد أخذها للانتفاع بها من أول الأمر قبل تعريفه بها. هذا وقد اشتمل الحديث على ثلاثة مسائل: الأولى: في حكم اللقطة وهي الضائعة التي ليست بحيوان - فإن ذلك يقال له ضالة - فقد أمر صلى الله عليه وسلم لا لملتقط أن يعرف وعاءها وما تشد به وظاهر الامر وجوب التعرف لما ذكر ووجوب التعريف ويزيد الأخير عليه دلالة قوله:
3 - (وعنه) أي عن زيد بن خالد (قال: قال رسول الله (ص): من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها رواه مسلم). فوصفه بالضلال إذا لم يعرف بها. وقد اختلف في فائدة معرفتهما. فقيل: لترد للواصف لها وأنه يقبل قوله بعد اخباره بصفتها ويجب