يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد. فهذا يدل على التفرقة بين الأطعمة والفواكه بل يدل على أنه إذا تعدد لون المأكول من طعام أو غيره فله أن يأكل من أي جانب وكذلك إذا لم يبق تحت يد الآكل شئ فله أن يتبع ذلك ولو من سائر الجوانب.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس: أن خياط دعا النبي (ص) لطعام صنعه قال: فذهبت مع النبي (ص) فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد، فرأيت النبي (ص) يتتبع الدباء من حوالي القصعة أي جوانبها فلم أزل أتتبع الدباء من يومئذ. وفي الحديث قال أنس: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه " وهو دليل على تطلبه له من جميع القصعة لمحبته له.
هذا ومما نهي عنه الأكل من وسط القصعة كما يدل له الحديث الآتي وهو قوله:
12 - (وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي (ص) أتي بقصعة من ثريد فقال: كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها فإن البركة تنزل في وسطها رواه الأربعة وهذا لفظ النسائي وسنده صحيح. دل على النهي عن الأكل من وسط القصعة وعلله بأنه تنزل البركة في وسطها وكأنه إذا أكل منه لم ينزل البركة على الطعام والنهي يقتضي التحريم وسواء كان الآكل وحده أو مع جماعة.
13 - وعن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله (ص) طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه متفق عليه. فيه إخبار بعدم عيبه صلى الله عليه وسلم للطعام وذمه له فلا يقول هو مالح أو حامض أو نحو ذلك.
وحاصله أنه دل على عدم عنايته صلى الله عليه وسلم بالأكل بل ما اشتهاه أكله وما لم يشتهه تركه وليس في تركه ذلك دليل على أنه يحرم عيب الطعام.
14 - (وعن جابر رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال رواه مسلم). تقدم أنه من أدلة تحريم الأكل بالشمال وإن ذهب الجماهير إلى كراهته لا غير وقد ورد في الشرب كذلك أيضا وهو دليل على أن الشيطان يأكل أكلا حقيقيا.
15 - (وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الاناء (ثلاثا) متفق عليه). وقد أخرج الشيخان من حديث أنس: أنه (ص) كان يتنفس في الشراب ثلاثا أي في أثناء الشراب لا أنه في إناء الشراب. وورد تعليل ذلك في رواية مسلم أنه أروى أي أقمع للعطش وأبرأ: أي أكثر برأ لما فيه من الهضم ومن سلامته من التأثير في برد المعدة وأمرأ أي أكثر مراءة لما فيه من السهولة. وقيل: العلة خشية تقذيره على غيره لأنه قد يخرج شئ من الفم فيتصل بالماء فيقذره على غيره.
16 - (ولأبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما) أي مرفوعا (وزاد) على ما ذكر (وينفخ