قال: فأمسكها). اختلف العلماء في تفسير قوله: لا ترد يد لامس على قولين: الأول: أن معناه الفجور وأنها لا تمنع من يريد منها الفاحشة وهذا قول أبي عبيد والخلال والنسائي وابن الاعرابي والخطابي. واستدل به الرافعي على أنه لا يجب تطليق من فسقت بالزنا إذا كان الرجل لا يقدر على مفارقتها. والثاني: أنها تبذر بمال زوجها ولا تمنع أحدا طلب منها شيئا منه وهذا قول أحمد والأصمعي ونقله عن علماء الاسلام وأنكر ابن الجوزي على من ذهب إلى الأول قال في النهاية: وهو أشبه بالحديث لان المعنى الأول يشكل على ظاهر قوله تعالى: * (وحرم ذلك على المؤمنين) * وإن كان في معنى الآية وجوه كثيرة. قلت: الوجه الأول في غاية من البعد بل لا يصح للآية ولأنه (ص) لا يأمر الرجل أن يكون ديوثا فحمله على هذا لا يصح. والثاني بعيد لان التبذير إن كان بمالها فمنعها ممكن وإن كان من مال الزوج فكذلك ولا يوجب أمره بطلاقها. على أنه لم يتعارف في اللغة أن يقال فلان لا يرد يد لامس كناية عن الجود، فالأقرب المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب لا أنها تأتي الفاحشة. وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد من الفاحشة ولو أراد به أنها لا تمنع نفسها عن الوقاع من الأجانب لكان قاذفا لها.
7 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول - حين نزلت آية المتلاعنين: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) أي يعلم أنه ولده (احتجب الله عنه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان). وقد تفرد به عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولا يعرف عبد الله إلا بهذا الحديث ففي تصحيحه نظر. وصححه أيضا الدارقطني مع اعترافه بتفرد عبد الله وفي الباب عن ابن عمر عند البزار وفيه إبراهيم بن يزيد الجوزي ضعيف وأخرج أحمد من طريق مجاهد عن ابن عمر نحوه أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبيه عن وكيع وقال: تفرد به وكيع، ومعنى الحديث واضح.
8 - (وعن عمر رضي الله عنه قال: من أقر بولده طرفة عين فليس له أن ينفيه أخرجه البيهقي وهو حسن موقوف). فيه دليل على أنه لا يصح النفي للولد بعد الاقرار به وهو مجمع عليه واختلف فيما إذا سكت بعد علمه به ولم ينفه فقال المؤيد: إنه يلزمه وإن لم يعلم أن له النفي لان ذلك حق يبطل بالسكوت وذلك كالشفيع إذا أبطل شفعته قبل علمه باستحقاقها. وذهب أبو طالب إلى أن له النفي متى علم إذ لا يثبت التخيير من دون علم فإن سكت عند العلم لزم ولم يمكن من النفي بعد ذلك ولا يعتبر عنده فور ولا تراخ بل السكوت كالاقرار. وقال الامام يحيى والشافعي: بل يكون نفيه على الفور. قال: وحد الفور ما لم يعد تراخيا عرفا كما لو اشتغل بإسراج دابته أو لبس ثيابه أو نحو ذلك لم يعد تراخيا عرفا. ولهم في المسألة تقادير ليس عليها دليل إلا الرأي وفروع على غير أصل أصيل.