لما جبل عليه من مكارم الأخلاق لا لوجوبه. وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب المكافأة بحسب العرف قالوا: لان الأصل في الأعيان الأعواض. قال في البحر: ويجب تعويضها حسب العرف. وقال الامام يحيى: المثلي مثله والقيمي قيمته ويجب له الايصاء بها وقال الشافعي في الجديد: الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول ولان موضع الهبة التبرع فلو أوجبناه لكان في معنى المعاوضة وقد فرق الشرع والعر ف بين الهبة والبيع فما يستحق العوض أطلق عليه لفظ البيع، بخلاف الهبة. قيل وكأن من أجازها للثواب جعل العرف فيها بمنزلة الشرط وهو ثواب مثلها. وقال بعض المالكية: يجب الثواب على الهبة إذا أطلق الواهب أو كان مما يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى.
فإذا لم يرض الواهب بالثواب فقيل: تلزم الهبة إذا أعطاه الموهوب له القيمة وقيل: لا تلزم إلا أن يرضيه، والأول المشهور عن مالك رحمه الله ويرده الحديث الآتي وهو:
5 - (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فأثابه عليها فقال: رضيت؟ قال: لا، فزاده فقال: رضيت؟ قال: لا، فزاده فقال:
رضيت؟ قال نعم، رواه أحمد وصححه ابن حبان). ورواه الترمذي وبين أن العوض كان ست بكرات. وفيه دليل على اشتراط رضا الواهب وأنه إن أسلم إليه قدر ما وهب ولم يرض زيد له وهو دليل لاحد القولين الماضيين وهو قول ابن عمر. قالوا: فإذا اشترط فيه الرضا فليس هناك بيع انعقد.
6 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): العمرى) بضم المهملة وسكون الميم وألف مقصورة (لمن وهبت له متفق عليه ولمسلم) أي من حديث جابر: (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمري فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه. وفي لفظ: إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. (ولأبي داود والنسائي) أي: من حديث جابر (لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئا أو أعمر شيئا فهو لورثته). الأصل في العمرى والرقبى أنه كان في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول: أعمرتك إياها أي أبحتها لك مدة عمرك فقيل لها عمري لذلك. كما أنه قيل لها رقبى لان كلا منهما يرقب موت الآخر. وجاءت الشريعة بتقرير ذلك، ففي الحديث دلالة على شرعيتها وأنها مملكة لمن وهب له وإليه ذهب العلماء كافة إلا رواية عن داود أنها لا تصح. واختلف إلى ماذا يتوجه التمليك. فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كغيرها من الهبات. وعند الشافعي ومالك إلى المنفعة دون الرقبة. وتكون على ثلاثة أقسام: مؤبدة إن قال أبدا. ومطلقة عند عدم التقييد. ومقيدة بأن يقول ما عشت فإذا مت رجعت إلي.