طلب من أحد أوليائها اسقاط حقه. وكأن المصنف رحمه الله أورد هذا الحديث بعد بيان ضعف الحديث الأول للإشارة إلى أنه لا عبرة في الكفاءة بغير الدين كما أورد لذلك قوله:
3 - (وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص) قال: يا بني بياضة انكحوا أبا هند) اسمه يسار وهو الذي حجم النبي (ص) وكان مولى لبني بياضة (وأنكحوا إليه وكان حجاما، رواه أبو داود والحاكم بسند جيد). فهو من أدلة عدم اعتبار كفاءة الأنساب وقد صح أن بلالا نكح هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على سلمان الفارسي.
4 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرت بريرة على زوجها حين عتقت، متفق عليه في حديث طويل، ولمسلم عنها رضي الله عنها: أن زوجها كان عبدا. وفي رواية عنها: كان حرا والأول أثبت) لأنه جزم البخاري أنه كان عبد الله ولذا قال: (وصح عن ابن عباس عند البخاري أنه كان عبدا). ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا رأوه فهو أصح. وأخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ: إن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد. وفي البخاري عن ابن عباس: ذاك مغيث عبد بني فلان يعني زوج بريرة. وفي أخرى عند البخاري: كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث. قال الدارقطني: لم تختلف الرواية عن عروة عن عائشة أنه كان عبدا. وكذا قال جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة. قال النووي: يؤيد قول من قال كان عبدا قول عائشة: كان عبدا فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدا. فصح رجحان كونه عبدا قوة وكثرة وحفظا. والحديث دليل على ثبوت الخيار للمعتقة بعد عتقها في زوجها إذا كان عبدا وهو إجماع. واختلف إذا كان حرا فقيل لا يثبت لها الخيار وهو قول الجمهور قالوا: لان العلة في ثبوت الخيار. إذا كان عبدا هو عدم المكافأة من العبد للحرة في كثير من الاحكام فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته. أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار. وذهبت الهادوية والشعبي وآخرون إلى أنه يثبت لها الخيار. وإن كان حرا. احتجوا بأنه قد ورد في رواية: أن زوج بريرة كان حرا. ورده الأولون بأنها رواية مرجوحة لا يعمل بها. قالوا: ولأنها عند تزويجها لم يكن لها اختيار. فإن سيدها يزوجها وإن كرهت فإذا أعتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك. قال ابن القيم:
في تخييرها ثلاثة مآخذ وذكر مأخذين وضعفهما ثم ذكر الثالث وهو أرجحها.
وتحقيقه أن السيد عقد عليها بحكم الملك حيث كان مالكا لرقبتها ومنافعها والعتق يقتضي تمليك الرقبة والمنافع للمعتق وهذا مقصود العتق وحكمته فإذا ملكت رقبتها ملكت بضعها ومنافعها ومن جملتها منافع البضع فلا يملك عليها إلا باختيارها فخيرها الشارع بين الامرين البقاء تحت الزوج أو الفسخ منه وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة: ملكت نفسك فاختاري. قلت: وهو من تعليق الحكم وهو الاختيار على ملكها لنفسها فهو إشارة إلى علة التخيير وهذا يقتضي ثبوت الخيار إن كانت تحت حر. وهل يقع الفسخ بلفظ الاختيار