السالبين وإن كانوا مدعين قال: لان قاطع الطريق إنما يفعل ذلك مع الغفلة والانفراد عن الناس انتهى. ولا يخفى أنه لا يتم هذا إلا بعد ثبوت أنه (ص) حكم بالقسامة وعرفناك هنا عدم نهوض ذلك وسنزيده بيانا عن قريب. وإذا ثبت فهذا قياس مالك مصادم لنص البينة على المدعي واليمين على المنكر إلا أن يكون مذهبه جواز تخصيص عموم النص بالقياس وللعلماء كلام في حجية العام بعد تخصيصه.
2 - (وعن رجل من الأنصار: أن رسول الله (ص) أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها رسول الله (ص) بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود رواه مسلم). قوله: على ما كانت عليه في الجاهلية كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في قصة الهاشمي في الجاهلية وفيها أن أبا طالب قال للقاتل: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا خطأ وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله وإن أبيت قتلناك به. وفيه دليل على ثبوت القتل بالقسامة واعلم أنا قد أشرنا إلى أنه لم يثبت القسامة إلا الجماهير كما قررناه عنهم. وذهب سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن علية والناصر إلى عدم شرعيتها لمخالفتها الأصول المقررة شرعا. فإن الأصل أن البينة على المدعي عليه. وبأن الايمان لا تأثير لها في إثبات الدماء وبأن الشرع ورد بأنه لا يجوز الحلف إلا على ما علم قطعا أو شوهد حسا. وبأنه (ص) لم يحكم بها وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف بهم رسول الله (ص) ليريهم كيف لا يجري الحكم بها على أصول الاسلام. وبيان أنه لم يحكم بها أنهم لما قالوا له: وكيف نحلف ولم نحضر ولم نشاهد؟ لم يبين لهم أن هذا الحلف في القسامة من شأنه ذلك وأنه حكم الله فيها وشرعه بل عدل إلى قوله: يحلف لكم يهود؟ فقالوا: ليسوا بمسلمين فلم يوجب صلى الله عليه وسلم عليهم ويبين لهم أن ليس لكم إلا اليمين من المدعى عليهم مطلقا مسلمين كانوا أو غيرهم بل عدل إلى إعطائه الدية من عنده صلى الله عليه وسلم. ولو كان الحكم ثابتا بها لبين وجهه لهم بل تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على أنه لا حلف إلا على شئ مشاهد مرئي دليل على أنه لا حلف في القسامة. ولأنه لم يطلب صلى الله عليه وسلم اليهود للإجابة عن خصومهم في دعواهم. فالقصة منادية بأنه لم تخرج مخرج الحكم الشرعي إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا أقوى دليل بأنها ليست حكما شرعيا. وإنما تلطف صلى الله عليه وسلم في بيان أنها ليست بحكم شرعي بهذا التدريج المنادي بعدم ثبوتها شرعا وأقرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يحلفون على ما لا يعلمونه ولا شاهدوه ولا حضروه. ولم يبين لهم بحرف واحد أن أيمان القسامة من شأنها أن تكون على ما لا يعلم. وبذا تعرف بطلان القول بأن في القصة دليلا على الحكم على الغائب إذ لا حكم فيها أصلا. وبطلان الجواب عن كونها مخالفة للأصول بأنها مخصصة من الأصول لان القسامة سنة مستقلة بنفسها منفردة مخصصة للأصول كسائر المخصصات للحاجة إلى شرعيتها حياطة