تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك رواه مسلم) تقدم الكلام في الجمع بين هذا الحديث وحديث جابر قوله: فلا يحل لك أن تأخذ بأن هذا على جهة الاستحباب والحث على جبر من حدث عليه حادث. ويدل أيضا قوله: وليس لكم إلا ذلك على أن الثمرة غير مضمونة إذ لو كانت مضمونة لقال وما بقي فنظرة إلى ميسرة أو نحوه إذ الدين لا يسقط بإعسار المدين وإنما تتأخر عنه المطالبة في الحال ومتى أيسر وجب عليه القضاء.
4 - (وعن ابن كعب بن مالك) اسمه عبد الرحمن، سماه عبد الرزاق (عن أبيه أن النبي (ص) حجر على معاذ ماله، وباعه في دنيا كان عليه. رواه الدارقطني وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود مرسلا ورجح إرساله). قال عبد الحق: المرسل أصح من المتصل وقال ابن الصلاح في الاحكام: هو حديث ثابت. كان ذلك في سنة تسع وجعل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم فقالوا: يا رسول الله بعه لنا فقال: ليس لكم إليه سبيل. وأخرجه البيهقي من طريق الواقدي وزاد أن النبي (ص) بعثه بعد ذلك إلى اليمن ليجبره والحديث دليل على أنه يحجر الحاكم، على المدين التصرف في ماله ويبيعه عنه لقضاء غرمائه.
والقول بأنه حكاية فعل غير صحيح فإن هذا فعل لا يتم إلا بأقوال تصدر عنه صلب الله عليه وسلم يحجر بها تصرفه وألفاظ يبيع بها ماله وألفاظ يقضي بها غرماءه وما كان بهذه المثابة لا يقال إنه حكاية فعل إنما حكاية الفعل مثل حديث خلع نعله فخلعوا نعالهم كما لا يخفى.
ظاهر الحديث أن ماله كان مستغرقا بالدين فهل يلحق به من لم يستغرق ماله في الحجر والبيع عنه كالواجد إذا مطل اختلف العلماء في ذلك. فقال جمهور الهادوية والشافعي: إنه يلحق به فيحجر عليه ويباع ماله لأنه قد حصل المقتضي لذلك وهو عدم المسارعة بقضاء الدين. وقال زيد بن علي والحنفية إنه لا يلحق به فلا يحجر عليه ولا يباع عنه بل يجب حبسه حتى يقضي دينه لحديث: إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ولقوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * ومقتضى الحجر والبيع اخراج المال من غير طيبة من نفسه ولا رضاه. (والجواب) عنه بأن الحديث والآية عامان خصصا بحديث معاذ لا يتم، لان حديث معاذ ليس إلا في المستغرق ماله بدينه والكلام في غيره وهو الواجد الماطل. فالأولى أن يقال أنهما خصصا بقياس الماطل الواجد، على من استغرق دينه ماله إلا أنه لا يخفى عدم نهوض القياس.
نعم في حديث: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته دليل على أنه يحجر عليه ويباع عنه ماله فإنه داخل تحت مفهوم العقوبة وتفسيرها بالحبس فقط مجرد رأي من قائله. هذا وقد حكم عمر في أسيفع جهينة كحكمه صلى الله عليه وسلم في معاذ فأخرج مالك في الموطأ بسند منقطع ورواه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد متصل: أن رجلا من جهينة كان يشتري الرواحل فيغالي فيها فيسرع المسير فيسبق الحاج فأفلس فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقال: أما بعد أيها الناس فإن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته