يؤخذ القيد من التعليل بقوله: إنك أن تذر الخ. فإنه دل على أن المنع من الزيادة على الثلث كان مراعاة لحق الورثة فإن أجازوا سقط حقهم ولا يخلو عن قوة. هذا في الوصية للوارث. واختلفوا إذا أقر المريض للوارث بشئ من ماله فأجازه الأوزاعي وجماعة مطلقا، وقال أحمد لا يجوز إقرار المريض لوارثه مطلقا واحتج بأنه لا يؤمن بعد المنع من الوصية لوارثه أن يجعلها إقرارا. واحتج الأول بما يتضمن الجواب عن هذه الحجة فقال: إن التهمة في حق المحتضر بعيدة وبأنه وقع الاتفاق أنه لو أقر بوارث آخر صح إقراره مع أنه يتضمن الاقرار بالمال وبأن مدار الاحكام على الظاهر فلا يترك إقراره للظن المحتمل فإن أمره إلى الله. قلت: وهذا القول أقوى دليلا. واستثنى مالك ما إذا أقر لبنته ومعها من يشاركها من غير الولد كابن العم قال: لأنه يتهم في أنه يزيد لابنته وينقص ابن العم. وكذلك استثنى ما إذا أقر لزوجته المعروف بمحبته لها وميله إليها وكان بينه وبين ولده من غيرها تباعد لا سيما إذا كان له منها ولد في تلك الحال. قلت: والأحسن ما قيل عن بعض المالكية واختاره الروياني من الشافعية أن مدار الامر على التهمة وعدمها فإن فقدت جاز وإلا فلا وهي تعرف بقرائن الأحوال وغيرها وعن بعض الفقهاء أنه لا يصح إقراره إلا للزوجة بمهرها.
5 - (وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وكلها ضعيفة لكن قد يقوي بعضها بعضا، والله أعلم). وذلك لان في إسناده إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد وهما ضعيفان وإن كان لهم في رواية إسماعيل تفصيل معروف. والحديث دليل على شرعية الوصية بالثلث وأنه لا يمنع منه الميت. وظاهره الاطلاق حق من له مال كثير ومن قل ماله وسواء كانت لوارث أغيره. ولكن يقيده ما سلف من الأحاديث التي هي أصح منه فلا تنفذ للوارث وإليه ذهب الفقهاء الأربعة وغيرهم والمؤيد بالله. وروى عن زيد بن علي. وذهبت الهادوية إلى نفوذها للوارث وادعى فيه إجماع أهل البيت ولا يصح هذا. واعلم أن قوله تعالى: * (من بعد وصية يوصين بها أو دين) * يقتضي ظاهره أنه يخرج الدين والوصية من تركة الميت على سواء فتشارك الوصية الدين إذا استغرق المال. وقد اتفق العلماء على أنه يقدم اخراج الدين على الوصية لما أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث علي عليه السلام من رواية الحارث الأعور عنه قال قضى محمد (ص) أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرأون الوصية قبل الدين " وعلقه البخاري وإسناده ضعيف. لكن قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم، وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه وقد أورد له شاهدا، ولم يختلف العلماء أن الدين يقدم على الوصية. فإن قيل: فإذا كان الامر هكذا فلم قدمت الوصية على الدين في الآية؟. قلت: أجاب السهيلي بأنها لما كانت الوصية تقع على وجه البر والصلة والدين يقع بتعدي الميت بحسب الأغلب بدأ بالوصية لكونها أفضل. وأجاب غيره: بأنها