الحديث دليل على تحريم الكذب والعمل به وتحريم السفه على الصائم، وهما محرمان على غير الصائم أيضا، إلا أن التحريم في حقه آكد، كتأكد تحريم الزنا من الشيخ، والخيلاء من الفقير . والمراد من قوله: فليس لله حاجة أي إرادة بيان عظم ارتكاب ما ذكر، وأن صيامه كلا صيام ، ولا معنى لاعتبار المفهوم هنا، فإن الله لا يحتاج إلى أحد، وهو الغني سبحانه، ذكره ابن بطال ، وقيل: هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن رد شيئا عليه: لا حاجة لي في كذا، وقيل : إن معناه أن ثواب الصيام لا يقاوم في حكم الموازنة ما يستحق من العقاب لما ذكر. هذا وقد ورد في الحديث الآخر فإن شاتمه أحد أو سابه فليقل: إني صائم فلا تشتم مبتدئا ولا مجاوبا.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) يقبل وهو صائم ويباشر) المباشرة الملامسة وقد ترد بمعنى الوطئ في الفرج وليس بمراد هنا (وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه) بكسر الهمزة وسكون الراء فموحدة وهو حاجة النفس ووطرها وقال المصنف في التلخيص: معناه لعضوه (متفق عليه واللفظ لمسلم وزاد) أي مسلم (في رواية: في رمضان). قال العلماء: معنى الحديث أنه ينبغي لكم الاحتراز من القبلة، ولا تتوهموا أنكم مثل رسول الله (ص) في استباحتها، لأنه يملك نفسه، ويأمن من وقوع القبلة أن يتولد عنها إنزال أو شهوة، أو هيجان نفس، أو نحو ذلك ، وأنتم لا تأمنون ذلك، فطريقكم كف النفس على ذلك. وأخرج النسائي من طريق الأسود قلت لعائشة: أيباشر الصائم؟ قالت: لا، قلت: أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم؟ قالت: إنه كان أملككم لإربه وظاهر هذا: أنها اعتقدت أن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وهو اجتهاد منها. وقيل: الظاهر أنها ترى كراهة القبلة لغيره (ص) كراهة تنزيه لا تحريم كما يدل له قولها: أملككم لإربه. وفي كتاب الصيام لأبي يوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة: سئلت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها. وظاهر حديث الباب جواز القبلة والمباشرة للصائم لدليل التأسي به صلى الله عليه وسلم ولأنها ذكرت عائشة الحديث جوابا عمن سأل عن القبلة وهو صائم، وجوابها قاض بالإباحة مستدلة بما كان يفعله (ص)، وفي المسألة أقوال: الأول: للمالكية أنه مكروه مطلقا. الثاني: أنه محرم مستدلين بقوله تعالى: * (فالآن باشروهن) * فإنه منع المباشرة في النهار ، وأجيب بأن المراد بها في الآية الجماع، وقد بين ذلك فعله (ص) كما أفاده حديث الباب، وقال قوم: إنها تحرم القبلة وقالوا: إن من قبل بطل صومه. الثالث: أنه مباح، وبالغ بعض الظاهرية فقال: إنه مستحب. الرابع: التفصيل. فقال: يكره للشاب ويباح للشيخ، ويروى عن ابن عباس ودليله ما أخرجه أبو داود: أنه أتاه (ص) رجل فسأله عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب. الخامس: إن مالك نفسه جاز له وإلا فلا، وهو مروي عن الشافعي واستدل له بحديث عمر بن أبي سلمة: لما سأل النبي (ص) فأخبرته أمه أم سلمة أنه (ص) يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر