وذكر وجها آخر انه تعتبر معرفة المضمون له لذلك ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لأنه لا معاملة بينه وبينه، ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه، ولنا حديث علي وأبي قتادة فإنهما ضمنا لمن لم يعرفاه عمن لم يعرفاه ولأنه تبرع بالتزام بمال فلم يعتبر معرفة من يتبرع له به كالنذر (فصل) وقد دلت مسألة الخرقي على أحكام (منها) صحة ضمان المجهول لقوله ما أعطيته فهو علي، وهذا مجهول فمتى قال أنا ضامن لك مالك على فلان أو ما يقضى به عليه أو ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يخرج في روزمانجك صح الضمان. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الثوري والليث وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر: لا يصح لأنه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن في المبيع.
ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) وحمل البعير غير معلوم لأن حمل البعير يختلف باختلافه، وعموم قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول كالنذر والاقرار ولأنه يصح تعليقه بضرر وخطر وهو ضمان العهدة، وإذا قال ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه أو قال ادفع ثيابك إلى هذا الرفاء وعلي ضمانها فصح المجهول كالعتق والطلاق (ومنها) صحة ضمان ما لم يجب فإن معنى قوله ما أعطيته أي ما تعطيه في المستقبل بدليل أنه عطفه على من ضمن عنه حق بعد وجوبه عليه فيدل على أنه غيره ولو كان ما أعطيته في الماضي كان معنى المسئلتين سواء أو إحداهما داخلة في الأخرى.