(فصل) إذا قال: له هذه الدار هبة أو سكنى أو عارية كان إقرارا بما ابدل به كلامه ولم يكن اقرارا بالدار لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح كما لو أقر بجملة واستثنى بعضها، وذكر القاضي في هذا وجها أنه لا يصح لأنه استثناء من غير الجنس وليس هذا استثناء إنما هذا بدل وهو سائغ في اللغة. ويسمى هذا النوع من البدل بدل الاشتمال وهو أن يبدل من الشئ بعض ما يشتمل عليه ذلك الشئ كقوله (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه) فأبدل القتال من الشهر المشتمل عليه وقال تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) أي أنساني ذكره، وإن قال له هذه الدار ثلثها أو قال ربعها صح ويكون مقرا بالجزء الذي أبدله وهذا بدل البعض وليس ذلك باستثناء، ومثله قوله تعالى (قم الليل إلا قليلا نصفه) وقوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولكنه في معنى الاستثناء في كونه يخرج من الكلام بعض ما يدخل فيه لولاه ويفارقه في أنه يجوز أن يخرج أكثر من النصف وأنه يجوز ابدال الشئ من غيره إذا كان مشتملا عليه ألا ترى أن الله تعالى أبدل المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر الحرام وهو غيره؟ ومتى قال له هذه الدار سكنى أو عارية ثبت فيها حكم ذلك وله ان لا يسكنه إياها وأن يعود فيما اعاره
(٢٨٤)