ما تناوله المستثنى منه مشتق من ثنيت فلانا عن رأيه إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه وثنيت عنان دابتي إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها، وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه ولا ثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وإنما سمي استثناء تجوزا وإنما هو في الحقيقة استدراك، والا ههنا بمعنى لكن، هكذا قال أهل العربية منهم ابن قتيبة وحكاه عن سيبويه والاستدراك لا يأتي الا بعد الجحد ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس الا بعد النفي ولا يأتي بعده الاثبات الا أن يوجد بعده جملة، وإذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك في الاقرار لأنه اثبات للمقر به فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا وان ذكره بعده جملة كأن قال له عندي مائة درهم الا ثوبا لي عليه فيكون مقرا بشئ مدعيا لشئ سواه فيقبل اقراره وتبطل دعواه كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء وأما قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس) فإن إبليس كان من الملائكة بدليل أن الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأمورا بالسجود ولا عاصيا بتركه ولا قال الله تعالى في حقه (ففسق عن أمر ربه) ولا قال (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك؟) وإذا لم يكن مأمورا فلم أنكسه الله وأهبطه ودحره؟ ولم يأمر الله تعالى بالسجود الا الملائكة، فإن قالوا بل قد تناول الامر الملائكة ومن كان معهم فدخل إبليس في الامر لكونه معهم، قلنا قد سقط استدلالكم فإنه متى كان
(٢٧٨)