فصل في أسباب الخيار ومسقطاته إذا صح العقد ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بأحد أمور خمسة: أحدها: اجتماعهما في مجلس العقد وهذا هو خيار المجلس. ولا يسقط إلا بأحد أمرين: تفريق وتخاير.
فالتفريق: أن يفارق كل واحد منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن إيثار.
والتخاير على ضربين: تخاير في نفس العقد، وتخاير بعده، فالأول أن يقول أحدهما أختار بيعك بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس، فيقول المشتري: قبلت، والثاني أن يقول أحدهما لصاحبه في المجلس: اختر، فيختار إمضاء العقد. (1) إعلم أن البيع ينعقد بوجود الإيجاب من البايع، والقبول من المشتري [94 / ب] لكنه لا يلزم المتبايعين بنفس العقد، بل يثبت لهما، ولكل واحد منهما خيار الفسخ مادا ما في المجلس، إلى أن يتفرقا أو تراضيا بالتبايع في المجلس.
ورووا ذلك في الصحابة عن علي وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، وفي الفقهاء الأوزاعي وأحمد والشافعي.
وذهبت طائفة إلى أن البيع يلزم بمجرد العقد، ولا يثبت فيه خيار المجلس بحال. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه (2).
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي من قوله (عليه السلام): المتبايعان، بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار، فسماهما متبايعين، وذلك لا يجوز إلا بعد وجود التبايع منهما - لأنه اسم مشتق من فعل كالضارب والقاتل - ثم أثبت لهما الخيار قبل التفرق - وأقل ما يحصل به التخاير ما ذكرناه، ثم استثنى بيع الخيار وهو الذي لم يثبت فيه الخيار بما قدمناه من حصول التخاير، وفي خبر آخر:
ما لم يفترقا عن مكانهما، فإذا تفرقا فقد وجب البيع، وفي خبر آخر: ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر، وحمل لفظ المتبايعين في الخبر الأول على المتساومين غير صحيح بدليل أن من قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم ساوم عليه لم يعتق بلا خلاف، وما يتعلق به في نفي خيار المجلس، من قوله (عليه السلام): المتبايعان بالخيار: ما لم يفترقا ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله، وقولهم: إنه أثبت الاستقالة في المجلس وذلك، إنما يثبت في عقد لازم، لا دلالة لهم فيه، وهو بأن يكون دلالة عليهم أولى، لأن المراد لا يحل له أن يفارقه خشية أن يفاسخه ما