فانا نشير إلى ما يجب ان يقال في الكتب الطبية انه لما كان القلب عضو رئيسا أجل كل رئيس وأشرفه وجب أن يكون الاقدام على معالجته بالأدوية اقداما معمودا بالحزم البالغ سواء أردنا أن نستفرغ منه خلطا أو نبدل له مزاجا أما الفراغ الذي يجرى مجرى الفصد فانا نقدم عليه اقداما لا يحوجنا إلى خلطه بتدابير أخرى بل أكثر ما يلزمنا فيه أن لا نفرط فتسقط القوة وان تنعش القوة ان خارت قليلا بالأشياء الناعشة للقوة إذا ضعفت لمزاج بارد أو حار وهذا أمر ليس انما يختص به اخراج الدم فقط بل جميع الاستفراغات وان كان اخراج الدم أشد استيجابا لهذا الاحتياط والسبب الذي يستغنى عن محاولة أصناف من التدبير غير ذلك أن اخراج الدم ليس بدواء يرد على القلب وعلى أن أكثر امتلاءات القلب انما هو من الدم والبخار فيدفع ضررهما جميعا الفصد واما الامتلاء الدموي فمن الباسليق الأيمن وأما الامتلاء البخاري فمن الباسليق الأيسر وأما سائر الاستفراغات التي تكون بالأدوية فيجب أن يخلط بالتدبير المذكور وتدابير أخرى وذلك لان أكثر الأدوية المستفرغة مضادة للبدن فيجب أن يصحبها أدوية قلبية وهي الأدوية التي تفعل في القلب قوة بخاصية فيها حتى يكون الدواء المستعمل في استفراغ الخلط القلبي مشوبا به أدوية ترياقية فادزهرية مناسبة للقلب وقد ينفع كثير من هذه الأدوية بل أكثرها منفعة من جهة أخرى وذلك لأنها أيضا تنفذ الأدوية المستفرغة إلى القلب صارفة إياها عن غيره وأما تبديل المزاج فإنه اما ان يتوجه التدبير نحو تبديل بارد أو تبديل حار أو تبديل رطب أو تبديل يابس غاذا أردنا أن نبدل مزاجا باردا اجترأنا على ذلك بالأدوية الحارة مخلوطة بالأدوية القلبية مع مراعاتنا ان لا يقع منها تحريك عنيف لخلط في القلب بحيث يمدد جدم القلب تمديد ريح أو تمديد مادة مورمة وغير ذلك وأما ان أردنا أن نبدل مزاجا حارا فلا نجسر على الاقتصار على المبردات فان الجوهر الذي خلق القلب لأجله وهو الروح المصبوب فيه جوهر حار وحرارة غريزية غير الحرارات الضارة بالبدن وانه يعرض له من سوء مزاج القلب إذا كان حارا ان يقل ويتحلل وان يتدخن ويتكدر فإذا ورد على جرم القلب ما يطفئه ولم يكن مخلوطا بالأدوية الحارة التي من شأنها ان تقوى الحار الغريزي لأجل ذلك بحرارتها بل بخاصيتها المصاحبة لحرارتها أمكن ان يضر بالأصل أعني الروح وان نفع الفرع وهو جرم القلب مما ينفع فيه تعديل حرارة جرم القلب إذا أحس معه حرارة الروح فلذلك لا تجد لعلماء الأقدمين يحلون معالجة سوء المزاج الحار الذي في القلب وما يعرض له عن خلط الأدوية الباردة بقلبية حارة ثقة بان الطبيعة ان كانت قوية ميزت بين المبرد والمسخن فحملت بالمبردات على القلب وحملت الحارة القلبية إلى الروح فيعدل ذلك هذا وان وجدوا دواء معتدلا يفعل تقوية الروح بالخاصية أو قريبا من الاعتدال كلسان الثور اشتدت استعانتهم به واما ان كانت الطبيعة ضعيفة لم ينفع تدبير وقد يحوجهم إلى استعمال الأدوية الحارة القلبية ما يعلمونه من ثقل جواهر أكثر الأدوية الباردة القلبية وقلة نفوذها وميلها بالطبع إلى الثبات دون النفاذ فيحوجهم ذلك إلى خلط الأدوية القلبية الحارة النافذة بها لتستعين الطبيعة على سوق تلك إلى القلب مثل ما يخلطون الزعفران بسائر
(٢٦٦)