مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٧٤
يمنعكما أن تموتا كريمين " - في أولى البوادر التي أثارت شك المنصور وريبته في نيات بني الحسن، ثم توالت عليه أخبار وأنباء بعث بها اليه عيونه وأرصاده أكدت له خلاف بني الحسن وأن محمد بن عبد الله عازم على الثورة، وكان بعض بني الحسن أنفسهم - وهو الحسن بن زيد بن الحسن - يؤكد لأبي جعفر المنصور أن بني الحسن ثائرون عليه لا محالة فأيقظ الحسن منه عينا لا تنام، وفي الحسن هذا يقول موسى بن عبد الله بن الحسن - ثالث الأخوين محمد وإبراهيم: " اللهم أطلب حسن بن زيد بدمائنا ".
ولا شك انه كان عينا للمنصور يرفع اليه أخبار بني الحسن، وللحسن هذا ابن مشهور اسمه القاسم ورث عنه هذه الخصومة لأبناء عمه وهو الذي حمل البشارة بمقتل النفس الزكية إلى المنصور...
والواقع ان للحسن بن زيد أولادا آخرين لم يتبعوا طريقة والدهم في مجافاة بني الحسن بل إنهم التحقوا بثوار المدينة وكانت لهم صلة وثيقة بالنفس الزكية والحق أن المنصور كان بالغ القسوة شديد العقوبة والمؤاخذة لا يستطيع ضبط نفسه إذا رأى زعيما من زعماء بني الحسن وخصوصا أبا محمد هذا، بل كان لا يتردد من ضربهم وإهانتهم وتعذيبهم وزجهم في السجون المطبقة في الحجاز والعراق، وقد عبر عما يكن من حنق وحقد غالب عليه بقوله - والسياط تنهال بأمره على أحد بني الحسن في الربذة -: " هذا فيض فاض مني فأفرغت منه سجلا لم أستطع رده ".
النفس الزكية أنجب عبد الله بن الحسن هذه السلالة التي قادت الجيوش وكانت شجى في حلق الطبقة الأولى من بني العباس، ولا شك أن المنصور قمع ثورة غير واحد من بني الحسن - وفي مقدمتهم النفس الزكية " قتيل أحجار الزيت "، واخوه إبراهيم قتيل " باخمرى " الا انه قد استطاع غير واحد منهم أن ينشئ ملكا عريضا في غير ناحية من نواحي العالم الاسلامي شرقا وغربا، فكانت لبعضهم دولة في المشرق وكانت لآخرين منهم دولة أخرى تعرف بدولة الأدارسة في المغرب، وكان لبعضهم ملك كبير في جهات أخرى لا شك أن أبعد بني عبد الله شهرة وأبقاهم ذكرا هو محمد المعروف بالنفس الزكية الذي ناضل نضال الابطال حتى مات في طلب الإمامة.
ولدت مع مولد محمد بن عبد الله هذا فكرة الدعوة بالإمامة وقدر أهله وفي مقدمتهم أبوه عبد الله الذي كان يطوف به على الاحياء انه المهدي الموعود، وتقبل كثير من الحجازيين وأهل المدينة خاصة هذه الدعوة ووقعت من نفوسهم موقعا حسنا وصادفت هوى من قلوب المدنيين.
لقن محمد هذا وهو ناشئ أنه المهدي وألقي في روعة وهو حدث إلى أن شب وترعرع انه الذي تحدثت بظهوره الروايات فلا سبيل إلى مناقشته في هذا الأمر، بل كان من السهل وصم من يشك في إمامته بالمروق عند كثير من أهل الحجاز والمدينة، ومن شان كل ناشئ على هذا النمط من التربية والتلقين أن يكون راسخ العقيدة شديد الايمان بحقه، وهكذا كان محمد بن عبد الله بن الحسن نشأ وهو واثق انه خليفة زمانه لم يتطرق اليه شك في ذلك وفي أن له حقا مغصوبا وأن غاصبه هو المنصور، فلا مناص له من الخروج في سبيل الحق، أضف إلى ذلك أنه كان في الواقع على قسط لا يستهان به من العلم والنسك والدين، ومن ذلك لقبه النفس الزكية، وحسبك أن تتصفح الرسائل القيمة المتبادلة بينه وبين أبي جعفر المنصور قبل خروجه لتجزم بأنه غزير العلم قوي الحجة بصير بالاخبار والانساب، لذلك مال الهاشميون المؤتمرون في الحجاز في ذيل الدولة الأموية إلى ترشيحه للخلافة وبايعه من بايعه منهم، وفي مقدمتهم أبو جعفر المنصور نفسه.
كان محمد بن عبد الله موقنا بان بيعة المنصور له لا يمكن نقضها شأنه في ذلك شأن ذوي العقائد أو المبادئ الراسخة والمثل العالية وانها عقد لا يصح ابطاله وأن الخلافة أصبحت حقا له لا ينازع فيه، والحق فوق القوة، وكان المنصور على نقيض ذلك من الزعماء أو الساسة الواقعيين الذين يرون أن الحق للقوة وأن العهود والمواثيق لا تعدو قصاصة ورق من السهل تمزيقها، وهكذا كان، فما أبعد الفرق بين المزاجين والخلقين!
من ذلك عني أبو جعفر بملاحقة عبد الله بن الحسن وأبنائه أشد العناية - على ما رأيت -، وكان بينه وبين سلفه أبي العباس السفاح بون بعيد في هذا الشأن.
بنو الحسن في خلافة السفاح كان أبو العباس لين العريكة إذا قورن بأبي جعفر المنصور لم يسرف كأخيه في سفك الدماء - إذا استثنينا وقايعهم مع الأمويين -، والحق أن المنصور يختلف عن سلفه اختلافا ظاهرا من هذه الناحية ونحن نرى السفاح لا يعمل بكثير من آراء أخيه المنصور ولا يوافقه على صرامته وشدته، أراده المنصور على قتل أبي مسلم الخراساني فنهاه عن ذلك قائلا: " يمنعني عن قتله سابقته في الدعوة وجهاده في قيام الدولة "، ولم ينزل أبو العباس السفاح كذلك على رأي أخيه في قتل وزيره أبي سلمة الخلال وهو الذي حاول نقل البيعة إلى العلويين - على أن السفاح لم يكن مصرا على ذلك ولهذا تولى قتله بعض العباسيين غيلة بعد استشارة أبي مسلم الخراساني في الكوفة، ولا شك أن المنصور حاول الفتك بمن لقيه من بني الحسن في ولاية عهده للسفاح ولكن كان يحسب لغضب أخيه حسابه.
لما استخلف أبو العباس السفاح وفدت عليه - وهو في الأنبار قاعدة ملكه الجديدة - وفود العرب من كل فج وكان في طليعتها وفد كبير من الطالبيين والعلويين وكلهم من أهل المدينة يتقدمهم عميد بني الحسن عبد الله بن الحسن وأخوه الحسن ويلاحظ أن الوفد اقتصر على فريق من مشيخة الطالبيين وآل الحسن اما معظم الشبان وفي مقدمتهم أبناء عبد الله وأبناء أخيه فإنهم تخلفوا عن المجئ إلى العراق وأن السفاح احتفى بالوفد المذكور حفاوة بالغة وكان يتفضل أمام عبد الله بن الحسن ويستقبله بمباذله محاولا إزالة الجفاء والوحشة بين البيتين ومن ذلك أنه احتمل أثناء هذه الحفاوة بضيوفه في الأنبار أقوالا لا معنى لصدورها منهم الا التعريض بالدولة العباسية، وقد أسمعه الضيفان الكبيران ما يوهم نزول العباسيين عن ملكهم إلى غيرهم في مستقبل الأيام، ويلاحظ أيضا أن الحديث على تشعبه بين هؤلاء الهاشميين في مدينة الأنبار لم يتناول موضوع " البيعة " وان المؤرخين الذين عنوا برواية أخبار عبد الله بن الحسن وأخبار من معه من الطالبيين في وفادتهم هذه لم يشيروا إلى البيعة ولا شئ أهم من الدخول فيها إذ ذاك، ومن رأينا أن هؤلاء العلويين والطالبيين اشترطوا في هذه الوفادة عدم التعرض للبيعة كما أن السفاح لم يكن ملحا عليهم في ذلك، ولذلك اعتبرت هذه الزيارة " أخوية بحتة " أو " شخصية " ولو كان المنصور مكان السفاح في ذلك الحين لأصر على الدخول في البيعة ولضرب أعناق القوم - لو امتنعوا - فورا أو ألقاهم في السجون المطبقة والمطامير ليموتوا فيها أبشع ميتة كما قام بعد استخلافه بذلك.
كان زعماء العرب لا يرون في وفادتهم على أقرانهم وأندادهم وقبول الرفد
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301