يعرف كثير من العلويين - في الكتب المؤلفة في أنسابهم خاصة - بألقاب لا تعرف في كتب التاريخ العامة، ومن ذلك عبد الله بن الحسن أبو الأخوين محمد النفس الزكية وإبراهيم قتيل باخمرى، فهو في كتب الأنساب " عبد الله المحض " وفي كتب التاريخ عبد الله بن الحسن، ويعرف أبوه الحسن " بالحسن المثنى " في كتب الأنساب لمطابقة اسمه لاسم أبيه، ويعرف أخوه الحسن بن الحسن " بالحسن المثلث " في كتب الأنساب ولا يعرف بذلك في كتب التاريخ، ومن ألقابهم " مؤتم الأشبال " و " ذو الدمعة " و " الأطروش " و " الغمر " و " الجون " و " الديباج " و " الأعرج " و " الأفطح " و " هي ألقاب لا تعرف في كتب التاريخ الكبرى حيث تجد أسماءهم مجردة من هذه الألقاب، اما في كتب الأنساب فإنها ألقاب معروفة مقرونة بذكر أسبابها.
أعيان بني الحسن وأشهر مشاهيرهم في صدر الدولة العباسية - عبد الله المحض وأبناؤه وإخوته وأبناؤهم - كانوا على جانب كبير من الوجاهة والرياسة ونفاذ الكلمة بويع بعضهم بالخلافة.
امتاز هذا الفرع من العلويين بمناوأة العباسيين وخروج من خرج منهم واحدا بعد الآخر في الدولة العباسية طلبا للخلافة.
كابد بنو الحسن ما كابدوا في سبيل تضامنهم إزاء العباسيين وبقاء رابطة العشيرة قائمة وثيقة فيهم مهما تحملوا في سبيلها، فقد كانوا مثلا في التضامن إذا استثنينا بعض من شذ منهم ومالأ المنصور على بني عمه، ومن أجل ذلك حاول رجال المنصور في المدينة التفريق بين العلويين من حسنيين وحسينيين،، وميزوا بعضهم على بعض في المعاملات، ومن أجل ذلك نكل المنصور بهم ذلك التنكيل الشديد حتى مات كثير منهم في السجون وقتل باقيهم بعد خروج محمد بالمدينة.
كان ولاة المدينة من قبل العباسيين يتهيبون بني الحسن في الحجاز ويخشون بأسهم ويلاحظون منزلتهم وفي مقدمتهم عميدهم عبد الله بن الحسن فيعجزون عن ملاحقة أولاده، وهم يعدون العدة للخلاف والخروج على المنصور، بل كان محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم يترددان على المدينة بدون حرج وعلى مرأى ومسمع من الولاة المذكورين إذ كان لوجاهة أبيهم ونفاذ كلمته شأن يذكر في دفع غوائل السلطان عنهم في المدينة وقد أحفظ ذلك المنصور وراح يحرق الأرم عليه، ومما زاد في الطين بلة وأزعج المنصور جدا تحزب جمهور كبير من أهل المدينة لبني حسن عليه وكثرة المؤامرات فيها ومحاولة الفتك به في بعض مواسم الحج حتى لم يعرج على هذا البلد في موس سنة 144 وهو الموسم الذي كان التنكيل ببني الحسن احدى الغايات من شهوده، ومما يؤكد كون المدينة موالية لمحمد بن عبد الله بن الحسن معادية للمنصور دخول محمد لها من حين إلى آخر - كما مر ذلك آنفا - واجتماعه بأصحابه وأنصاره وذويه فيها مع شدة الطلب والملاحقة له.
نشأت من بني الحسن دويلات في الشرق والغرب، ولهم في إفريقية ومصر وبعض بلاد الروم والفرنج فتوح يحتاج شرحها إلى تاريخ منفرد، نشأ منهم أئمة الزيدية في بعض الأقطار العربية والاسلامية كالأدارسة مؤسسي الدولة المشهورة في مراكش والمغرب الأقصى وأئمة الزيدية في اليمن وبلاد الديلم والأقطار الفارسية.
هذا ويحسن بنا ايراد فذلكة عن أشهر مشاهير بني الحسن على الصورة الآتية:
عبد الله بن الحسن يعرف في كتب الأنساب بعبد الله المحض وأنه أول من اجتمعت له ولادة السبطين ومن هذا لقب " المحض " وكان المقدم بين بني الحسن علما وسخاء ومن المنعوتين بأوصاف حسنة منها العلم والبيان والخطابة، ومما يشهد بذلك أنه أحد الثلاثة الذين حاول أبو سلمة عقد الامر لهم من العلويين، وقد استجاب عبد الله بن الحسن لدعوة أبي سلمة ولم يلتفت إلى تحذير جعفر بن محمد إذ أعلمه أن أهل خراسان ليسوا من أنصاره وأن أبا سلمة مخدوع مقتول، والقصة مشهورة، قبل عبد الله بن الحسن بعض الالطاف والكتب التي كتبها اليه بعض جواسيس المنصور على لسان أنصاره فكانت حجة المنصور عليه وأمر بحبسه، وخلاصة القول وقع في فخ نصبه له المنصور وقامت عليه حجة حسب روايات بعض المؤرخين. وقد روى عنه فريق من الاعلام منهم أبناؤه، ويقول أبو الفرج الإصفهاني أن مالك بن أنس احتج برأي عبد الله بن الحسن في بعض المسائل الفقهية، ويعده الجاحظ من خطباء بني هاشم وقد روى له كلمة بليغة وسيرته وأخباره في عصور الأمويين والعباسيين معروفة في كتب التاريخ والأنساب ومن أشهرها وفوده على عمر بن عبد العزيز وهشام في الدولة الأموية ثم وفادته على أبي العباس السفاح في الهاشمية بعد بيعته، وقد صحبه في وفوده على السفاح اخوه الحسن المثلث وهو ممن مات في سجن المنصور بعد ذلك وكانت حفاوة السفاح بهما بالغة وأن لم تخل من العتاب والسؤال والجواب بسبب تغيب محمد وإبراهيم وقد اعتذر الحسن المثلث عن ولدي أخيه بما يدل على علو منزلته، قال صاحب غاية الاختصار: " كان الحسن المثلث جليلا نبيلا ولو لم يستدل على شرفه إلا بالجواب الذي قاله لأبي العباس السفاح في قصة محمد وإبراهيم ابني أخيه لكفى ".
كان لهذا الزعيم الحسني - أعني عبد الله بن الحسن - رأيه الخاص في الخطة التي رسمها العباسيون لإبادة بني أمية واستئصالهم أينما وجدوا في عصر أبي العباس السفاح وهو - أي عبد الله - القائل لداود بن علي عم السفاح - وقد أمعن في قتل الأمويين في الحجاز -: " يا ابن عمي إذا فرطت في قتل أكفائك فمن تباهى بسلطانك؟، أو ما يكفيك منهم أن يروك غاديا رائحا فيما يسرك ويسؤوهم "، وهو في هذا القول يرى رأي سياسي بعيد الغور.
قلما عانى أحد من وجوه بني الحسن ما عاناه عبد الله هذا من الخليفة أبي جعفر المنصور فإنه حبسه حبسا شديدا في المدينة ثم حمله وافراد أسرته إلى العراق على حالة يرثى لها، وحبسهم في الهاشمية حتى الموت، وقد أذاقهم من الأذى في حبوسهم ما تقشعر له الأبدان مما نعلم منه مبلغ حقد أبي جعفر المنصور على عبد الله بن الحسن وأبنائه.
لم يفعل المنصور ما فعله من هذا القبيل ولم يرتكب ما ارتكبه الا بعد أن لمس في عبد الله بن الحسن لددا في الخصومة وصلابة في العقيدة وتصميما على المعارضة، فقد أخفق المنصور في حمله على تسليم أبنائه أو الايماء إلى الجهات التي يقيمون فيها، وطالما طلب اليه احضار ابنيه بالتهديد والوعيد وطالما جرى بينهما كلام غليظ فما أجدى ذلك كله وحاول أن يقتله قبل حبسه ثم عدل عن ذلك.
كان تخلف محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن عن القدوم على أبي جعفر المنصور - بعد مبايعته بالخلافة في الكوفة وتشجيع عبد الله لابنيه المذكورين على الخلاف والثورة حتى قال لهما فيما قال: " أن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا