مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٧٦
العباسيين فلم يجد الحكام مساغا لإراقة الدماء نزولا على هوى المنصور، والغالب أن لعبد الله بن الحسن والد الأخوين المتواريين دخلا قويا في ضعف هؤلاء الولاة عن الاهتداء إلى مكان أبنائه وعجز المنصور عن الظفر بهما، ومرد ذلك إلى منزلة عبد الله هذا وحرمته الكبيرة في المدينة ولدهاء وعقل فيه، فكان الولاة المذكورون يسمعون عنه ويطيعون.
المنصور يلح ما زال المنصور يلح وعبد الله يدافع، وقد نجح المنصور أو كاد في إشاعة الاضطراب والارتباك في نفوس بعض بني الحسن، وكانت بين عبد الله بن الحسن وسليمان بن علي - عم المنصور وعامله على البصرة - قرابة قريبة ومصاهرة فاستشاره في اظهار ابنيه على شرط أن يعفى عنهما فقال سليمان: لو كان المنصور من أهل لعفى عن عمه عبد الله بن علي - وهو أخو سليمان هذا - فلم يسع عبد الله بن الحسن إلا قبول هذا الرأي الذي ارتاه صهره وقريبه سليمان، ومن ثم أمعن في تشجيع أولاده على الثبات والمضي في الخلاف وهان عليه السجن في هذا السبيل وطال لبثه فيه على وجه أثار إشفاق أولاده ورثاءهم لحالته، وكان محمد ابنه يزوره في سجنه بالمدينة وخطر له أن يسلم نفسه للمنصور ليخلص والده ولكن الوالد الجلد الصابر ظل وهو رهين السجن يحث أولاده على الثبات والمقاومة حتى الموت وقد اشتهر له في هذا الشأن كلمته التي خاطب بها ابنيه قائلا " أن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ".
وكان عبد الله أول من بث الدعوة لابنه وبايعه، ولذلك كان المنصور يكنيه " أبا قحافة " تشبيها له بعثمان بن عامر التيمي لأن أبا بكر ابنه بويع و هو حي كما بويع النفس الزكية وأبوه على قيد الحياة.
طلائع الثورة أجمع المؤرخون على أن طلائع الثورة الحسنية على الدولة العباسية بدأت بتضييق أبي جعفر المنصور على عبد الله بن الحسن وأهله وزجهم في سجنهم الأول بالمدينة - بعد استخلافه بنحو سبع سنين - متهما إياهم بتهم مختلفة ناسبا إليهم انهم يكيدون للدولة العباسية ويبغونها الغوائل، ولم يأمر المنصور بسجن عبد الله - بعد أن حاول قتله - إلا بعد أن أراده على احضار ابنيه وهدده وطالما تكاشفا وتغالظا في الكلام وقد أراد المنصور بالتضييق عليه في سجن المدينة أن يضطره إلى تسليم ابنيه ولما امتنع أشد امتناع أمر باشخاص بني الحسن إلى العراق وأشرف بنفسه على وضع الأغلال في أعناقهم والقيود في أيديهم وسامهم في الطريق من الحجاز إلى العراق ألوانا من العذاب والتنكيل والقتل إلى أن أودع من بقي على قيد الحياة منهم سجنه في قصر ابن هبيرة أو الهاشمية، وكان ذلك سنة 144 ه‍.
بقي عبد الله بن الحسن في سجن المنصور ثلاث سنين، وكان ينتحل لغياب ابنيه شتى الأعذار، مرة يقول: انهما منهومان بالصيد وطلبه وانهما هجرا لذلك الأهل والديار، وتارة يقول: انه لا يعلم من أمرهما شيئا، وطورا يدعى أن خوف المنصور اكرههما على الغياب وعلى الخروج إلى اليمن والى السند وإلى العراق وإلى أقطار أخرى.
كان محمد خبيرا بالتنكر والاختفاء جوابة للبوادي ورادا على المياه الأواجن وقد تزيا بشتى الأزياء، تزيا بزي الأعراب والعمال وغيرهم ولم يزل يتنقل من موضع إلى موضع إلى حين خروجه بالمدينة.
ظهور محمد بالمدينة ألح أمير المدينة في طلب محمد وضيق عليه وأرهقه الطلب طبقا للأوامر التي تلقاها من أبي جعفر المنصور بعد قفوله إلى العراق بمن حملهم من بني الحسن فلم يسع محمدا إلا الخروج والثورة بعد أن بعث بأخيه إبراهيم يجوس خلال مملكة المنصور في العراق، وهي الثورة التي قمعت على يد الأمير عيسى بن موسى - بعد ثلاثة أشهر - طبقا لما توقعه الإمام جعفر بن محمد - وقد مر شرح ذلك -.
تتضارب أقوال المؤرخين في أسباب نجاح المنصور في قمع ثورة بني الحسن بمثل هذه السرعة فيقال: أن محمدا خرج قبل وقته الذي واعد أخاه إبراهيم على الخروج فيه وقيل خرج بميعاده وكان التأخير من أخيه، ويبدو لنا أن أهل المدينة برموا من القلق والاضطراب وسئموا من الانتظار على وجه اضطر معه محمد إلى الخروج، ويقال أيضا أن أهل المدينة لم يكونوا أهل حرب كاهل العراق وكانت ذخائرهم ومؤونهم قليلة، وقد اتصل ذلك ببني العباس من جواسيسهم في الحجاز، ومن أجل ذلك هان على المنصور اخماد الثورة فيها، وفي كتب التاريخ روايات تدل على أن المنصور كان بارعا في نصب المكايد والخدع للثائرين فكانوا يتلقون رسائل مذيلة بتوقيع قواد الجيش العباسي وأمرائه يحثون فيها بني الحسن على الظهور ويخبرونهم أنهم من أنصارهم، إلى ذلك ونحوه مما جعل محمد بن عبد الله يعتقد بانحياز قادة الجيش العباسي إلى جانبه إذا ثار، وما كتبت تلك الكتب والرسائل إليه إلا بأمر أبي جعفر المنصور.
عنى المنصور باستشارة أصحابه في كيفية التغلب على محمد بن عبد الله فكانت لهم آراؤهم في هذا الشأن، وكثير منهم هون على المنصور أمر الثورة قائلين أن أهل المدينة ليس معهم آلة الحرب ولا قدرة لهم على الزحف، وقد يستطيعون الدفاع مدة قليلة، ومما يدل على ذلك أن عالما كثيرا من سكان المدينة تركوها إلى البادية والجبال لما دنا منها جيش المنصور يقوده ابن أخيه الأمير عيسى بن موسى، ولم يبق مع محمد بن عبد الله عدد يؤبه له وتفرق عنه جل أصحابه في أحرج لحظة.
أضف إلى ذلك أن أصحاب محمد اختلفوا في كيفية إدارة رحى الحرب داخل المدينة بيد أن محمدا مع ذلك كله ثبت ثبات المؤمن بحقه وقاتل قتال الابطال حتى قتل وقتل معه من أهل المدينة قوم لم يسع المنصور إلا الاعتراف ببسالتهم ونجدتهم البالغة.
بعض مميزات الثورة امتازت ثورة النفس الزكية ببعض المميزات الخطيرة وفي مقدمتها مشاركة عدد غير قليل من وجوه الدولة العباسية بالدعوة والبيعة له في الشرق والعراق والحجاز ومنهم عدد من أحفاد الصحابة والتابعين وعدد من النساك والقراء والفقهاء ونقلة الحديث والأثر.
وكان أعيان معتزلة البصرة من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد من دعاته و أنصاره ويقول بعض المؤرخين: بايعه الأئمة من أهل عصره كمالك وأبي حنيفة ومن في طبقتهما.
خرج مع محمد جماعة من آل أبي طالب من أبناء الإمام علي ومن أولاد جعفر الطيار وخرج معه اثنان من أولاد زيد بن علي عيسى وحسين وخرج معه جماعة آخرون اعتقدوا إمامته وقتلوا على ذلك، ومنهم بعض من آل الزبير كعثمان بن محمد بن خالد بن الزبير المتقدم ذكره، وقد خرج أكثر من خرج معه على أنه المهدي الموعود.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301