عيسى بن زيد أو الظليم النافر تروى لعيسى بن زيد مؤتم الأشبال في عنفه وشدته وفي جرأته ومحاولاته لإكراه ابن عمه على البيعة أخبار كثيرة وإن غمزها بعض المعنيين في معالجة هذا الموضوع، هذا وفي الحكم على عيسى مدحا وذما وجرحا وتعديلا أقوال عدة فهو في قول مشهور لم يحجم عن إيذاء جعفر بن محمد وتهديده وإرادته على البيعة للنفس الزكية وعلى المساهمة في الحرب فامتنع امتناعا شديدا وامتنع معه أصحابه وطال الأخذ والرد بين الفريقين وتغالظا الكلام، وكيف لا يمتنع الامام وهو يرى أن محمد بن عبد الله هالك لا محالة وكيف يستجيب لدعوة القوم وهو يخبرهم بان صاحبهم مقتول في حال مضيعة، وكانت له كلمات موجعة جابه بها عيسى في بعض المواقف المذكورة رواها أصحاب الأخبار في حديث طويل منها قوله " يا اكشف يا ازرق لكأني بك تطلب جحرا تدخل فيه وما أنت من المذكورين في اللقاء وإني أظنك إذا صفق خلفك طرت مثل الهيق النافر ".
هذا ما قاله أبو عبد الله جعفر بن محمد لابن عمه عيسى وهو يعيبه ويغمزه بالضعف وينذره بوخامة العقبى، وكان الأمر كما قال إذ أن عيسى - كما جاء في سيرته - عاش في البقية الباقية من عمره متنكرا في الكوفة على حالة يرثى لها ومات متواريا في بيوت أنصاره وأنصار أبيه من الزيدية، ولا بد لنا من القول في هذا الصدد أن جعفر بن محمد فادى في سبيل اعتراضه على هذه البيعة كما فادى من قبل بمال كثير له وأكثر منه لأصحابه صادره العلويون الثائرون، وكان له في المدينة عدد كبير من الأصحاب.
ومما لا شك فيه أن أصحابه المذكورين محصوا في هذه المحنة الثانية كما محصوا في محنتهم الأولى في أواخر العصر الأموي طبقا لحديث قال فيه: " لا بد للناس أن يمحصوا أو يميزوا أو يغربلوا ".
هذا ولعيسى المذكور اخوته، ومنهم الحسين ذو الدمعة ويحيى بن زيد الثائر في خراسان، وكان موقف الحسين ذي الدمعة لا يشبه موقف أخيه عيسى فيما يراه أكثر المحدثين بل كان جعفر بن محمد يعنى به ويعطف عليه ولا عجب فإنه نشا في حجره، ويلاحظ أنه ممن تضاربت في حالة أقوال القوم فعده بعضهم من الضعفاء، وخرج له آخرون أحاديث متفرقة في بعض المسائل الفقهية.
أبناء زيد والزيدية في صفوف بني الحسن كان في طليعة من بايع النفس الزكية اثنان من أشهر أولاد زيد بن علي وهما عيسى مؤتم الأشبال والحسين ذو العبرة كما أنهما انضما بعد مقتل محمد إلى أخيه إبراهيم الثائر في العراق، ولذلك قال أبو جعفر المنصور: " ما لي ولإبني زيد وما ينقمان علينا أ لم نقتل قتلة أبيهما ونطلب بثأرهما ونشف صدورهما! "، والأغرب من أن اثنين من أولاد الإمام جعفر بن محمد نفسه مالا إلى الزيدية وهما عبد الله ومحمد خرج الأول مع النفس الزكية وكان متهما بالخلاف على أبيه ودعا إلى نفسه من بعده وخالط الحشوية فيما يقال وله أتباع يعرفون بالفطحية، وخرج الثاني على المأمون بمكة سنة 199 وأيدته الزيدية الجارودية ولكن المأمون ظفر به في قصة مشهورة.
تناسى هؤلاء الزيدية من العلويين ما كان بينهم من خلاف في العصر الأموي ذلك أن عددا من وجوه بني الحسن لم يخرجوا مع زيد ولم يشهدوا الحرب التي دارت في الكوفة بينه وبين عمال الأمويين عليها بل كان هؤلاء الوجوه على صفاء - ولو في الظاهر - مع هشام بن عبد الملك ومع الوليد من بعده، ويحكى أن عبد الله بن الحسن خطب في المدينة منددا بحركة زيد في العراق متبرأ منها، والأرجح أنه كان مكرها على ذلك، ومهما كان الباعث على عمله هذا فإن فيه دليلا قاطعا على حيدة بني الحسن في الثورة المذكورة.
تناسى القوم ذلك لأن ركن الإمامة في عقيدة الزيدية هو الجهاد والخروج أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر مضافا إلى شرائط أخرى، وقد خرج محمد بن عبد الله ودعا إلى نفسه فهو الإمام، ويقال أن محمدا هذا أوصى إلى عيسى بن زيد بعد أخيه إبراهيم وسرعان ما أصبح عيسى من ثقات محمد بن عبد الله وصاحب شرطته في المدينة.
التمييز بين زيد والزيدية ظهرت الزيدية في الفترة الواقعة بين عصر الإمام أبي جعفر محمد بن علي وعصر ابنه أبي عبد الله جعفر بن محمد منشقة عن الإمامية، والزيدية تفترق عن الإمامية بأنها تعد الدعوة والجهاد ركنا من أركان الإمامة، هذا إلى فوارق أخرى ذكرها المعنيون بتاريخ الفرق الإسلامية، وبناء على أصول المذهب الزيدي المذكور بايع الزيدية كل علوي ثائر إذا توفرت فيه شروط الإمامة، بايعوا غير واحد من بني الحسن كالنفس الزكية وأخويه إبراهيم ويحيى ثم غيرهم من العلويين الثائرين من أبناء الحسن والحسين.
يعنى المحدثون والمؤلفون في سيرة أئمة أهل البيت بسيرة زيد وبأخباره في خروجه ومقتله عناية فائقة لا يعهد مثلها فيما يكتبونه عن بني الحسن وعن خروج من خرج ومقتل من قتل منهم في الحجاز والعراق وخراسان، ومن ذلك يستنتج أن أصحاب الإمام جعفر بن محمد يفرقون بين زيد والزيدية فكان زيد معذورا في خروجه على هشام بن عبد الملك وإن لم يخرج معه ابن أخيه ولا أوصى أحدا من أصحابه بالخروج معه ولم يكن بنو الحسن بهذه المثابة فإن خروجهم لم يكن مستساغا لدى الامام المذكور كما يتجلى ذلك واضحا في جوامع حديثهم وأخبارهم وفي بعض الكتب المؤلفة في الأنساب. ومن المسلم عند كثير منهم انحراف بني الحسن عن الأئمة من أبناء عمهم المذكورين.
خيف على زيد بن علي من الخروج وحذره أخوه الإمام محمد بن علي وأخبره أنه مقتول إذا خرج وإنه لا يملك أكثر من حيطان المدينة ولذلك لم يخرج في عصر أخيه وإنما خرج في عصر ابن أخيه.
كان لمقتل زيد أثر بالغ في نفس ابن أخيه جعفر بن محمد وبان عليه حزن شديد يدل على ذلك أنه ابنه بكلمات مؤثرة وواسى أهله وذويه وأهل من قتل معهم وذويهم ويلاحظ أنه لم يبد عليه مثل هذا الحزن البالغ في مقتل من قتل من بني الحسن في حربهم بالمدينة، ومما يدل على ذلك أنه خرج قبل وقوع الحرب إلى خارج البلد ولم يعد إلا بعد مقتل النفس الزكية وبعد أن عاد الهدوء إلى المدينة المذكورة.
كان هذا المظهر من مظاهر الحياد معروفا عن الإمامين المذكورين في العصر المذكور ولذلك كانا معنيين باسداء النصح وإتمام الحجة على بني العمومة من علويين وطالبيين وغيرهم من سكان دار الهجرة فان سكانها ضعفاء لا يقاوون الدول الناشئة في العصر المذكور.
تخليط وأوهام في معاجم الرواة هذا ويلاحظ شئ غير قليل من التخليط والأوهام فيما يكتب عن بني