مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٧٧
ومن السهل تعليل هذا التأييد الذي لقيه محمد بن عبد الله من العلويين والطالبيين وغيرهم وكذلك الانحراف الذي مني به المنصور والعباسيون فإن مردهما إلى الاعتقاد أو إلى القول بالإمامة فإننا نعرف عن أولئك الفقهاء ونقلة الأثر والحديث في ذلك العصر وأمثال هؤلاء - ممن اعتزل الحكم وتجرد للتفقه والنسك والعبادة - أنهم يرون أن مناصب السياسة أهون من أن تراق في سبيلها ملء محجمة من الدم، ولما كان الأمويون ومن بعدهم العباسيون على النقيض من ذلك في عدم التحرج من سفك الدماء في سبيل الملك والسلطان لم يسع أولئك إلا المجاهرة بالخلاف والخصومة العنيفة، وعقد غير واحد من المؤرخين فصولا خاصة سموا فيها من أجاب دعوة محمد بن عبد الله أو خرج معه من أعيان ذلك العصر وأئمته في عدة من الأقطار، وهي فصول تصلح للاحتجاج على متانة مركز بني الحسن من الناحية المعنوية في العصر المذكور وأن اضطربت آراء فريق من وجوه الطالبيين في خروجه وامتنع من امتنع منهم عن تأييده.
عمال محمد بن عبد الله أرسل محمد قبل ثورته وبعدها عماله ودعاته إلى مكة والى الشام واليمن والعراق، ومن أشهر هؤلاء العمال والدعاة أخواه إبراهيم بن عبد الله وجه به إلى العراق قبيل ثورته وموسى ويعرف " بموسى الجون " في كتب الأنساب، وقد استعلمه على الشام، ومنهم محمد بن الحسن بن معاوية من أحفاد جعفر بن أبي طالب استعمله على مكة ويظهر من قوائم المؤرخين التي وردت فيها أسماء عماله أنه اختارهم من ذوي قرباه ولم يكتب لأكثر هؤلاء العمال نجاح يذكر في الأقطار المذكورة، فهذا عامله على مكة لم يقم إلا يسيرا فيها حتى استدعاه محمد لما خرج إليه عيسى بن موسى ولكن محمدا قتل وعامله هذا في طريقه إلى المدينة فهرب إلى العراق ولحق بإبراهيم بن عبد الله وأقام عنده حتى قتل، وقد مني موسى أخو محمد وعامله على الشام بالفشل أكثر من غيره، تجهمه أهل الشام واستقبلوه استقبالا رديا وكان أثر الرعب والوجوم باديا على القوم منذ زوال الدولة الأموية واستئصال أمرائها وأبادتهم. تدلنا على ذلك رسالته التي بعث بها إلى أخيه من دمشق وقد جاء فيها: " أخبرك أني لقيت الشام وأهله فكان أحسنهم قولا الذي قال: والله لقد مللنا البلاء وضعفنا حتى ما فينا لهذا الأمر موضع ولا لنا به حاجة، ومنهم طائفة تحلف لئن أصبحنا من ليلتنا وأمسينا من غد ليرفعن أمرنا، فكتبت إليك وقد غيبت وجهي وخفت على نفسي " وقد ترك موسى الشام بعد رسالته هذه إلى المدينة وقيل إلى البصرة - وهو الأصح فيما نرى - والمرجح أنه ترك الشام بعد أن حوصر أخوه في المدينة وذهب رأسا إلى البصرة ملتجئا إلى قريبه محمد بن سليمان العباسي في البصرة ولكن هذا وبخه توبيخا شديدا وجبهه بكلمات نابية تدل على اضطراب ورعب من المنصور، وقد أشار المؤرخون إلى مصير موسى بعد وصوله إلى العراق وسجنه في أيام المنصور والإفراج عنه في عصر ابنه المهدي وذكروا أنه عاش إلى أيام هارون الرشيد وله معه أحاديث لطيفة هذا ولم يغفل المؤرخون أسماء ولاة محمد بن عبد الله وقضاته على المدينة ووزرائه في إدارة الشؤون الحربية والمالية والقضائية.
إبراهيم يثار لأخيه في العراق هرب عدد من أقرب المقربين إلى محمد بن عبد الله - بعد مقتله سنة 145 - وعدد من ولاته وعماله إلى البصرة، وقد اشتملت باديتها على كثير من أنصار بني الحسن عقدوا البيعة لأخيه إبراهيم بن عبد الله ونادوا وأعلنوا الخلاف على الدولة العباسية.
يعد إبراهيم بن عبد الله - أخو النفس الزكية - من أشهر رجال بني الحسن علما وفقها لم يملأ عين المنصور بعد أبيه وأخيه غيره من بني الحسن، وله ضلع في الأدب ويروى له شعر، ومن رأى بعض المؤلفين في الأدب والتاريخ " أن المفضليات " من جمع إبراهيم بن عبد الله جمعها من دواوين العرب لما كان مختفيا في منزل " المفضل الضبي " فلما قتل إبراهيم نسبت المفضليات إلى المفضل المذكور، وكان المفضل زيديا ومن رواة حديثه وشعره كما كان إبراهيم يكثر من الإقامة عنده.
كنز المادحون من الشعراء لإبراهيم، ومن مداحه بشار بن برد، وحسبنا من شعره في إبراهيم قصيدته السائرة التي تعد من عيون الشعر العربي وفيها يقول:
أقول لبسام عليه جلالة غدا * أريحيا عاشقا للمكارم من الفاطميين الدعاة إلى الهدى * سراج لعين أو سرور لعادم أتى إبراهيم نعي أخيه فخرج وأخبر الناس في البصرة، وكانت البصرة موالية له جدا كما كان البصريون من أكثر أنصاره وأشدهم انقيادا وطاعة له، ولإبراهيم كلمة بليغة في الثناء على البصريين لايوائهم إياه مع أصحابه وقد أتخذ أصحابه من هذه الكلمة شعارا لهم وأنشودة ينشدونها، وقد جاء في ختام الكلمة قوله: " إن أملك فلكم الجزاء وإن أهلك فعلى الله الوفاء ".
توالت على المنصور الفتوق - بعد خروج إبراهيم - من البصرة والأهواز وفارس وواسط والمدائن والسواد إلى جانب كثير من أهل الكوفة، ويبدو لنا أن كثيرا من زعماء العراق في الكوفة وفي الموصل وغيرهما مالوا إلى إبراهيم وبايعوه وقد أجمع المؤرخون على أن إبراهيم وجم واغتم بخروج أخيه وأمره إياه بالخروج فلعله كان يرى خروجه مبتسرا أي قبل أوانه، ويفهم أن المنصور أكثر من استشارة رجال دولته في أمر إبراهيم وخروجه، وقد أخذ برأي من ارتأى منهم بان يقاتله بجند من أهل الشام لأنهم لا يميلون إلى آل أبي طالب بخلاف العراقيين.
استولى إبراهيم على واسط والقسم الجنوبي من العراق وأرسل إلى تلك الجهات عماله، بايعه أهل واسط بعد البصريين وبايعه الزعماء والفقهاء ولم يبق أحد إلا تبعه وقد سمى أبو الفرج جميع من خرج معه من الفقهاء والمحدثين ونقلة الآثار وكانت وجهته الكوفة وفيها المنصور، ويلاحظ أن كثيرا من أصحابه لا بصر لهم بفنون الحرب ولكنهم شجعان وقد وقعوا في هفوات حربية إليها مرد ظفر الجيش العباسي، وبعض هذه الغلطات الحربية في واقعة " باخمرى " أدت إلى مقتله وتشجيع جيش أبي جعفر المنصور على الثبات بعد الهزيمة، وعلى كل حال كانت ثورة إبراهيم في العراق أخطر من ثورة أخيه في المدينة، وبين الثورتين فروق أخصها أن ثورة إبراهيم ألحقت بالدولة العباسية خسائر كبيرة في الأموال والأرواح وهي أضعاف ما ألحقته ثورة أخيه المذكورة وكانت وقعة باخمرى قريبة من الكوفة وفيها سرير المنصور.
نقلة الآثار يؤيدون الثوار خرج مع إبراهيم عدد غير قليل من أهل العلم والفقه ونقلة الآثار سماهم وترجم لهم أبو الفرج الأصفهاني، كما أفتى بالخروج معه فقهاء آخرون سماهم غير واحد من المؤرخين كابن سعد والطبري، وقد عللنا فيما مر تأييد أهل الفقه والنسك في صدر الدولة العباسية للثائرين عليها من العلويين، ومرد ذلك إلى هوان السياسة وطلب الملك والدولة على هذا الفريق من الفقهاء والنساك وإن ذلك فيما يرون أقل شانا من أن تراق في سبيله الدماء وأحرى أن يركن بسببه إلى العزلة والانزواء فقد
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301