مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٧٥
والهدايا منهم شيئا من الغضاضة لذلك نرى أبا العباس السفاح رضخ للوفد بمبالغ طائلة من المال، ومن أهم العوامل في هذا السخاء أن المال كان ينفق في الحجاز وهو بلد قاحل جل سكانه من ذوي الفقر والخصاصة ولكنه مهبط الوحي ومبعث الرسالة.
هذا ولا بد لنا من القول: أن السفاح أظهر قلقا ووجلا عظيمين من تخلف المتخلفين من شباب بني الحسن وفي مقدمتهم الأخوان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله فألحف في الاستفسار عنهما وعن أسباب تخلفهما، ومن حق السفاح ان يساوره القلق فإنهما تخلفا لأمر عظيم إذ كان محمد بن عبد الله مشغولا ببث الدعوة لنفسه في الحجاز والعراق وفي الأهواز وفارس وفي أقطار أخرى - وكان له ولأنصاره نشاط ملحوظ في هذه الأقطار يجري أكثره في الخفاء وان لم يخف على عيون بني العباس - كما كان معنيا باعداد عدته للخروج، ولم يكن الغرض من ذلك الالحاف تفقدا أو حبا وانما هو الاطمئنان والوقوف على مذهب الأخوين أو نيتهما في طلب الخلافة، وفي وسعك أن تحكم على سياسة السفاح ومبلغ مجاملته لبني الحسن من تظاهره بقبول المعاذير عن الأخوين الغائبين على مضض فإن الحسن المثلث أفهم السفاح بان محاولاته في الوقوف على أمرهما من العبث، ولذلك أراح السفاح نفسه باليأس من الظفر بالأخوين بعد الحديث المذكور مع أضيافه فأعرض عن طلبهم إلى أن فرق بينهم الموت، وتعزى مجاملته لبني الحسن إلى خبرته بدخائل بني عمه الهاشميين وإلمامه بما يخالج نفوسهم من الشعور بالأنفة، ولذلك نرى كثيرا من هؤلاء الطالبيين والهاشميين يخاطبون خلفاء بني العباس مخاطبة النظراء الأكفاء أو مخاطبة الأنداد، وقد يرون في آل عباس أتباعا لا متبوعين ومرؤوسين لا رؤساء فيما مضى من خلافة الإمام علي وبعض الأئمة من أبنائه، قمن أشق الأمور على وجوه العلويين أو الطالبيين أن يروا أنفسهم تابعين مرؤوسين للعباسيين بعد ذلك، وقد تعزى المجاملة المذكورة فيما تعزى اليه إلى تأثير عبد الله بن الحسن نفسه فقد اشتهر - كما مر بك - أن لحديثه تأثيرا كتأثير السحر في النفوس حتى كان الأمويون والعباسيون يحسبون لبلاغته وعارضته وملاحة أحاديثه حسابا.
بنو الحسن في عصر المنصور كان استخلاف المنصور بعد أخيه السفاح ايذانا بالانتقال إلى عصر جديد يمتاز بشدته المتناهية واجتناب سياسة اللين والتهدئة وتفضيل الحلول الحاسمة على انصاف الحلول، والواقع أن المنصور واجه في مستهل خلافته اخطارا شتى منها القريب ومنها البعيد عني بدفعها عن الدولة، فهذا عمه الأمير الظافر عميد العباسيين بعد السفاح وقائد جيشهم وقاتل مروان الجعدي يمتنع من بيعة المنصور ويزحف على العراق مدعيا أن السفاح عهد بولاية العهد لمن يظفر بالأمويين وهو الظافر بهم غير مدافع ولذلك فهو أولى العباسيين بهذه الولاية، وهؤلاء بنو الحسن وأنصارهم في كل مكان لا يرون في بني العباس أهلا للبيعة بل يرون فيهم غاصبين ناكثين بالعهود والمواثيق ولا بد لهم من وثبة على هؤلاء الناكثين الغاصبين، ثم هذه الفتن الناجمة والخوارج الخارجون في شتى الأقاليم.
لا شك ان المنصور واجه هذه الأحاديث والفتوق في مستهل خلافته بجأش رابط وعزيمة ماضية فتغلب على عمه بأبي مسلم الخراساني ثم ثنى بأبي مسلم ففتك به وبأنصاره ثم قمع فتنا شتى في الشرق والغرب تفرع بعدها لمناجزة بني الحسن وقد كونت حركتهم خطرا من أعظم الأخطار على الدولة، وكان هذا الخليفة في كل هذه الأحداث ثابت الجنان يعتمد على القوة ولا محل عنده للعفو والرحمة.
ومن رأي أبي جعفر المنصور ان الأساس الذي قامت عليه دولة بني العباس وأخذت بموجبه البيعة لخلفائهم لم يزل مهددا بالانهيار إذا أصر بنو الحسن على المطالبة بحقهم في البيعة - وانهم لمصرون فعلا - طبقا لذلك الميثاق الذي اتخذه الهاشميون في أيام بني أمية والى هذا الميثاق يستند بنو الحسن ومحمد بن عبد الله في طلب البيعة وانها لبيعة يعرفها العرب والهاشميون بأسرهم في ذلك الحين، وأول من عقدها للنفس الزكية هو السفاح، ويقال أن المنصور بايعه مرتين إحداهما بمكة في المسجد الحرام فلما خرج أمسك له بالركاب ثم قال: " اما انه أن أفضى إليك أمر نسيت لي هذا الموقف، ومن هذا نعلم أن مناط السياسة ومحورها الذي تدور عليه في مذهب المنصور هو المصلحة لا غير، فهو يساوم ويماكس ولا يقيم وزنا لغير هذا النوع من السياسة سياسة المنفعة لا سياسة العاطفة.
كان خبر هذه البيعة - بيعة المنصور للنفس الزكية - من جملة الأخبار المشهورة المتعالمة في ذلك العصر، ومن الأدلة على ذلك حديث عثمان بن محمد بن الزبير مع أبي جعفر المنصور، وهو حديث يدل على ثبات نادر وجرأة بالغة، كان عثمان هذا من وجوه أصحاب محمد ولي الشرطة له وله ذكر في بعض كتب الأخبار، وقد هرب إلى البصرة بعد مقتل صاحبه فحمل منها إلى المنصور فقال له " هيه يا عثمان " أنت الخارج علي مع محمد؟ " قال: " بايعته أنا وأنت بمكة فوفيت ببيعتي وغدرت ببيعتك " قال: يا ابن اللخناء، قال: ذلك من قامت عنه الإماء - يعني المنصور - فامر له فقتل، وهذا الحديث يدل على أثر العقيدة في هذا الضرب من أصحابه محمد بن عبد الله وعلى تفانيهم في ولائه والاخلاص له.
أضف إلى ما تقدم ما تناهي إلى علم المنصور من أن للعلويين أو لبني الحسن في كثير من الأقطار أنصارا يدينون لهم بالولاء ويبعثون لهم بزكاة الأموال ومختلف الألطاف ويعنون كثيرا باخبارهم ويتحدثون بأحاديثهم، ومن هؤلاء من يرى رأي الزيدية في الخروج، ومنهم من يرى موالاة هؤلاء العلويين على كل حال، وكانت للقوم هيبة ومكانة في صدور الناس، وإلى تلك المكانة الرفيعة والبيعة القائمة لبني الحسن في أعناق الأول من بني العباس مرد هذا الحرص من المنصور على الظفر بمحمد وبأخيه إبراهيم ليطمئن على ملكه الجديد ويقيمه على الأساس الذي يريد، وقد تذرع إلى تحقيق بغيته بشتى الوسائل ونصب مختلف الحبائل.
يدهش المتأمل في سيرة المنصور لعنائه البالغ بعد استخلافه - وقبل ذلك أيضا - بالتضييق على وجوه بني الحسن، كان ذلك شغله الشاغل أينما حل، ملأ الجزيرة بالعيون والأرصاد وبذل الأموال الطائلة وفرق الأعراب يفتشون عنهم في البوادي وكان أولئك العيون والأرصاد يتلقون تعاليم دقيقة من المنصور.
والحقيقة أن بني الحسن من ناحيتهم - وقد عقدوا النية وصمموا على الخروج - أذكوا لهم عيونا وجواسيس يوافونهم باخبار المنصور بل كان إبراهيم بن عبد الله نفسه يتغلغل في مملكة المنصور وفي قواعده العسكرية في الشام والعراق، ويروى انه تناول الطعام على مائدة المنصور مرة وحضر مجلسه متنكرا، وقد بلغ المنصور بذلك إلا أنه عجز عن الظفر به، ويلاحظ أن عامة الناس في العراق كانوا يساعدون إبراهيم على الافلات والنجاة، وكان المنصور يقول: " غمض علي أمر إبراهيم لما اشتملت عليه طفوف البصرة ".
عزل المنصور ولاة المدينة واحدا بعد آخر لفتورهم في طلب القوم ونسب هؤلاء الولاة إلى الغش والمداهنة، والواقع أنهم دهشوا وأخذتهم الحيرة من هذا الولاء البالغ الذي ينعم به هؤلاء العلويون في الحجاز وتفضيل القوم لهم على
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301