مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٦٧
الكوفة ويقال له " وزير آل محمد " فإنه لم يكتم خوفه ولا وجله على هؤلاء النفر المغامرين، وقد جاهر بان رحلتهم مبتسرة أو سابقة لأوانها، وعبثا حاول أبو سلمة ابقاءهم في البادية ولكن من يضمن لهم الأمن فيها، ومن يمنع جيوش الأمويين منهم إذا قصدتهم في الصحراء! وأخيرا لم يسعه إلا الإذن لهم في الدخول إلى الكوفة على كره منه فان جيش العدو منهم غير بعيد، وهذا الجيش مرابط بهيت، وكتم أبو سلمة أمر القوم شهرين في الكوفة محتجا بالخوف، ولا خوف يعتد به في تلك الأيام.
نقل البيعة إلى العلويين لم يكن ذلك رأيا من أبي سلمة وإنما كان يتعلل بعلل مختلفة وينتحل أعذارا شتى قائلا للعباسيين إن امركم لم يتم بعد وإن بني أمية قادرون على الحرب، إلى معاذير أخرى لا غنى له عن كسب الوقت فيها، وكان أبو سلمة في هذه الفترة العصيبة يسبر غور العباسيين ويوازن بينهم وبين العلويين إذ كانت في عنقه بيعة لإبراهيم بن محمد الإمام ولكنه في حل منها الآن لأن إبراهيم بن محمد قد مات، فهو يريد أن يخلص إلى رأي قاطع بعقد البيعة من بعد إبراهيم كما خلص قبل ذلك إلى رأي قاطع بشأن الدعوة فجعلها للهاشميين عامة لا للعباسيين خاصة، والظاهر أن أبا سلمة خلص إلى ذلك الرأي فهو يريد نقل البيعة إلى العلويين وهو يبعث إلى ساداتهم المقيمين في المدينة بكتبه يعرض عليهم ذلك، ولكن هذا الانحراف جاء متأخرا عن وقته فان البيعة عقدت للسفاح في الكوفة باشراف أهل بيته وذويه وأنصاره، وفي مقدمتهم عمه داود بن علي، وكان أبو سلمة آخر من بايع نزولا على حكم الأمر الواقع واعتذر من أبي العباس.
لم تخف محاولات أبي سلمة على أبي العباس وأخيه أبي جعفر فقتل في الكوفة، ولم يقتل إلا بعد استشارة أبي مسلم الخراساني، فأبو مسلم شريك في مقتل أبي سلمة وزير السفاح بلا شك، وقد شارك بمقتله وكان رأيه من رأي داود بن علي - وهو من أهل الرأي والمشورة - ويروي ابن قتيبة أن السفاح أمر بصلب أبي سلمة بعد ذلك وهكذا قتل أول وزير لأول خليفة من العباسيين.
نجاح المغامرة وعلى كل حال فان مغامرة العباسيين في الوصول إلى الكوفة عبر بادية الشام تمت بنجاح ووصلت القافلة المخاطرة إليها بين مظاهر الحماس البالغ الذي غلب على شباب بني العباس وأنصار دعوتهم، فكان عيسى بن موسى إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة قال: " ان نفرا أربعة عشر رجلا خرجوا من ديارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم كبيرة نفوسهم شديدة قلوبهم ".
مباشرة العمل وعني أبو العباس أول ما عني به فور أخذ البيعة له وانفراده بالسلطة في الكوفة بعد مقتل أبي سلمة بتنظيم معسكره وتوزيع رفاقه على ميادين الحرب والثورة، وكانت واسط محاصرة يدافع عنها يزيد بن عمر بن هبيرة أمير العراقين من قبل مروان بن محمد، ويشدد الحصار عليها الحسن بن قحطبة من أشهر قواد السفاح، فانضم الأمير عيسى بن موسى إلى هذا القائد بأمر السفاح، وشارك في حصار واسط، وهو أول عمل يقول به عيسى بن موسى بعد إعلان الثورة على الأمويين في العراق، ومما هو جدير بالذكر أن ابن هبيرة سلم واسطا لابن قحطبة بعد قتال دام سنة تقريبا، وسلم معه قواد جيشه، وقدم على المنصور بأمان منه ثم قتل هو وقواد جيشه بعد ذلك، وهو عمل يلام عليه السفاح وقد عده محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية وصمة في تاريخ الدولة العباسية وولى عيسى بن موسى الكوفة بعد الفراغ من أمر واسط فحل محل داود بن علي الذي نقل إلى ولاية المدينة في السنة الأولى من خلافة السفاح.
عيسى سند المنصور كان عيسى وهو في عنفوان شبابه مستودع أسرار أبي العباس السفاح، وقد ائتمنه على وثيقة سجل فيها عقد الولاية لمن بعده، وبموجب هذا الوثيقة أخذت البيعة للمنصور، أخذها له في الحجاز حاجبه الربيع بن يونس وأخذها وكان حاجا - في العراق عيسى بن أخيه هذا، وكتب بذلك إلى الأمصار وقام بأمر الناس، ثم شرع في ضبط الدواوين وحفظ الخزائن والأموال حتى تسلمها المنصور، ولنا أن نقول: أن أبا جعفر المنصور مدين - إلى حد ما - ببيعته واستقراره في دست الخلافة خلال هذه الفترة لابن أخيه عيسى بن موسى، وكان أميرا على الكوفة من عهد السفاح إلى أيام المنصور ولا تقل مدة امارته عليها عن ثلاث عشرة سنة، ثم صار واليا على المدينة، وتتضارب الروايات بشأن موقف عيسى بن موسى هذا بعد موت أبي العباس السفاح في الأنبار وقبل مجئ ولي عهده المنصور من مكة، ومرد هذا الاضطراب في الروايات إلى سقم الأصول وكثرة الأغلاط فيها.
مات السفاح وبويع أخوه المنصور وعيسى بن موسى ابن أخيهما على ولاية الكوفة، وقد كثرت الفتوق والأحداث في السنوات العشر الأولى من خلافة المنصور، ومن أشهرها خروج محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية في الحجاز، ثم خروج أخيه إبراهيم في العراق، وقد عظمت شوكة إبراهيم هذا، وانضم اليه وهو يطلب بثار أخيه جل أهل العراق، وأرجف المرجفون بمصير الدولة العباسية الناشئة في العراق، وضويق المنصور وهو في معسكره بالكوفة - مضايقة شديدة، وكان هذا المعسكر محاطا بما لا يقل عن مائة ألف من أنصار العلويين يتربصون الدائرة بالمنصور حتى تحدث المتحدثون بخروجه من العراق إلى بلاد فارس، وقد حفظت لنا كتب التاريخ مراسلات دارت بينه - أي بين أبي جعفر المنصور - وبين العلوي الثائر في الحجاز، وتعد من عيون الرسائل، ومن محاسن الكتب في معناها وهو لا يخرج عن الأدب والتاريخ والأنساب والواقع أن ثورة محمد بن عبد الله من أخطر الثورات التي واجهها المنصور، وقد اضطرب لها جدا، ولم يبق أحد من أهل الرأي إلا استشاره في كيفية التغلب على الثائرين.
في هذه الفتوق وما إليها ندب المنصور ابن أخيه هذا إلى قتال العلويين الثائرين في الحجاز وفي العراق بعد ذلك، وقدر لعيسى ان يتغلب على الأخوين محمد وإبراهيم بعد معارك طاحنة تجلى فيها اخلاص هذا الأمير لعمه وللدولة العباسية.
كم الأفواه ومناهضة المعارضة وركن عمال بني العباس وولاتهم - وفي مقدمتهم عيسى هذا والي الكوفة، وجعفر بن سليمان بن علي والي المدينة إلى الشدة المتناهية في مناهضة المعارضين لأساليبهم في قمع تلك الثورات فحاول الأول أن يفتك بأبي حنيفة في الكوفة لمجاهرته بارائه في الخلاف ثم أشخصه منها إلى بغداد، وفعل الثاني ما فعل بفريق من فقهاء المدينة، وفي مقدمتهم مالك بن أنس، بيد أن اخلاص هذين الأميرين كان وخيم العاقبة عليهما فعزلا وأوذيا إيذاء شديدا بعد ذلك، حرم جعفر بن سليمان من مال طائل جاءه عن طريق الإرث وخلع الثاني من ولاية العهد، قال السيوطي وهو يذكر المنصور " كان عيسى هو الذي حارب الأخوين فظفر بهما فكافأه بان خلعه مكرها وعهد إلى ولده المهدي ".
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301