" الأسوة "، معلنا انتماءه للساعين إلى إقامة مثل هذا النظام مهما كلفه هذا الأمر من مشاق ومتاعب وتضحيات، فيقول مخاطبا الإمام العادل:
ثم قسمت بالسواء بينهم * فعظم الخطب عليهم وثقل عاديت فيك الناس لم أحفل بهم * حتى رموني عن يد إلا الأمل ولو يشق البحر ثم يلتقي * فلقاه فوقي في هواك لم أبل ويعود مهيار، في موقفه هذا، إلى مبادئ الاسلام فيختار شعارا له: " الله أعلى في الورى ".
... فيقول:
يستشعرون " الله أعلى في الورى " * وغيرهم شعاره " اعل هبل " مشيرا إلى قول أبي سفيان، في يوم أحد: " أعل هبل " الذي سمعه النبي فامر عمر بن الخطاب بأن يجيبه فيقول: " الله أعلى وأجل ".
ويبدو أن انتماء مهيار الصادق للاسلام هو الذي يحدد مفاهيمه ومواقفه ويوجه سلوكه. وفي سبيل استكمال الإجابة عن سؤالنا الذي طرحناه آنفا سنحاول تلمس مفهومه للقرابة وأسسه لإقامة العلاقات الانسانية إن مفهوم مهيار للقرابة واضح، وهو يتجلى في العديد من قصائده ولعلنا لا نجانب الصواب عندما نقول أنه ينطلق مما يفيده هذا البيت:
وود " سلمان " أعطاه قرابته * يوما، ولم تغن قربى عن " أبي لهب " ليؤكد:
أحببتكم، وبعد بين دوحتنا * فكنت بالحب أي مقترب فما سرني في الحق أني مع العدا * ولا عاب أني في المحال على أبي خلقت رقيق القلب صعبا تقلبي * أرى لبعيد ما أرى لقريب أخي في الود فوق أخي النسيب * وخلى دون كل هوى حبيبي ومولاي البعيد يقول خيرا * قريب قبل مولاي القريب وليبني سلوكه على أسس تنطلق من مفاهيم الحب والحق والخير والتجرد في الرؤية والحكم فيقول:...
ورب أخ قصي العرق فيه * سلو عن أخيك في الولاد فلا تغررك ألسنة رطاب * بطائنهن أكباد صوادي وعش إما قرين أخ وفي * أمين الغيب أو عيش الوحاد وهكذا يبدو واضحا أن مهيار بن مرزويه الديلمي تخلى عن انتماءاته العرقية والوطنية والإقليمية واختار هوية له تتمثل في الاسلام سالكا في الحياة وفق الطرق التي تحددها ناظرا إلى الدنيا بمنظارها راجيا من الله أن يثيبه على ذلك:
وإن أك من " كسرى " وأنت لغيره * فإني في حب " الوصي " نسيب ومهما يثبك الشعر شكرا مخلدا * عليها، فإن الله قبل يثيب 6 - مسألة خلافية وفي تفصيل لقضية الانتماء التي وصلنا فيها إلى إجابة نعتقدها مصيبة تلفتنا مسألة تعلنها عبارة " حب الوصي نسيب " إذ أن هذه العبارة تشير إلى أن مهيار كان يقف إلى جانب اتجاه في الإسلام كان يرى أنه المحق، وذلك انطلاقا من رؤيته الشاملة إلى العالم، وبخاصة في ما يتعلق بطبيعة الحكم وبنية النظام وتنظيم العلاقات الإنسانية...
إن تطرقنا إلى هذه المسألة يندرج في إطار مقاربتنا التي قلنا إنها ستكون مباشرة، كما أنه يبدو ضروريا لفهم موقف قيل لمهيار بسببه انه انتقل في النار من زاوية إلى زاوية. وإن يكن في تطرقنا إثارة لمسألة خلافية في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى الوحدة، فان اغفالنا لا يلغي الخلاف وقد يكون في النظر الموضوعي الهادئ قدر كبير من الجدوى على صعيد فهم طبيعة الخلاف وحدوده، الأمر الذي يلغي تأثيره على المستويات الأخرى.
يقرأ مهيار التاريخ الاسلامي على ضوء فهمه لمبادئ الاسلام المأخوذة في مصدريه: الكتاب والسنة، ويتخذ موقفا، مستندا إلى حجج يبسطها في عدة قصائد طويلة يمدح بها أهل البيت. وحججه تتمثل في ثلاث: حجة نقية تقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى للأمام علي عليه السلام من بعده بالخلافة وحجة عقلية جدلية تناقش أسس قريش في اختيارها من اختارت للخلافة وحجة مبدئية تتعلق بالكفاءة وطبيعة النظام ومفهوم الحكم من جنب علاقته بالله وبعبيده. وهذا كله سوف نلم به من خلال عرضنا لنموذجين من قصائد مهيار عرضا موجزا، على سبيل المثال.
يبدأ مهيار قصيدته، على عادته، بمقدمة وجدانية تمهد للموضوع وترسم إطاره وتكون مناخه، ثم يذكر مناقب أهل البيت ويجادل قريشا في مواقفها طالبا منها أن تقر بنعمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرشد وأن تتبع سننه:...
وقل: ما لكم بعد طول الضلال * لم تشكروا نعمة المرشد أتاكم على فترة فاستقام * بكم جائرين عن المقصد وولى حميدا إلى ربه * ومن سن ما سنه يحمد وقد جعل الأمر من بعده * لحيدر بالخبر المسند وسماه مولى باقرار من * لو اتبع الحق لم يجحد ثم يناقش قريشا ادعاءها أن ذلك كان عن اجماع المسلمين، وينتهي إلى القول أنه لم يكن اجماعا، ثم يشيد بموقف الإمام علي الذي صبر من أجل انتصار الاسلام، ولكن ما حدث في ما بعد كان كما يرى:
أرى الدين عن بعد يوم الحسين * عليلا له الموت بالمرصد وينتهي به هذا العرض وهذا النقاش إلى إعلان موقف طالب في مطلع القصيدة أن يتخذ، وهو الايمان بالحق والاقرار بالفضل وتأييد ذلك:
وفيكم ودادي وديني معا * وإن كان في فارس مولدي خصمت ضلالي بكم فاهتديت * ولولاكم لم أكن أهتدي وجردتموني وقد كنت في * يد الشرك كالصارم المغمد ولا زال شعري من نائح * ينقل فيكم إلى منشد وما فاتني نصركم باللسان * إذا فاتني نصركم باليد وفي قصيدة ثانية، يبدأ مهيار بمقدمة وجدانية نحس فيها أسى وحزنا عميقين ويسيطر عليها الاحساس بحق مضاع، ينتقل بعدها إلى مناقشة موضوعه فيعرض للواقع:
هذي قضايا رسول الله مهملة * غدرا، وشمل رسول الله منصدع...
وآله، وهم آل الاله، وهم * رعاة ذا الدين ضيموا بعده ورعوا ميثاقه فيهم ملقى، وأمته مع من بغاهم وعاداهم له شيع ثم يعود إلى التاريخ فيعرض احداثه ويتوقف إزاء بيعة يوم الغدير " التي ضاعت