مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٥٥
كما أن الحياة تفقد معناها إن لم يحقق الانسان ذاته ويصنع مشروعه:
فما الحياة، وإن طالت، بصالحة * لمن يعد متاعا بائرا سقطا ما خطه العجز و الأرزاق معرضة * إلا لمن نام تحت الذل أو قنطا ويدرك مهيار أن تحقيق الذات وصنع مجدها يتطلبان صراعا مع الدهر يقتضي مخاتلته واقتناص الفرص منه فنسمعه يقول:
لا تفرط جلوسا بانتظار غد * خاتل يد الدهر وانصل غيله أبدا 4 - في دروب الحياة: وجه يوقد الهم تحته ويكون صراع مهيار مع الدهر صراعا مريرا، تتكون لديه آمال ويسعى حادا إلى تحقيقها ظانا أن اخوانه يساعدونه، ثم يذهب هذا كله هباء وتتكرر الخيبة، فيعبر مهيار عن هذا الصراع ونتائجه:
كم يوعد الدهر آمالي ويخلفها * أخا أسر به، والدهر عرقوب وتتكرر ذنوب الأيام، فيعجب ويرجو بحسرة أن يحيا أياما تعد ذنوبها:
وليست الذنوب ذنوب الأيام فحسب وإنما هي ذنوب الناس أيضا، الذين غدوا صخورا لا تلين، وقد نلتفت إلى نظرة مهيار التي رأت تحول الإنسان الذي فقد جوهره أو إنسانيته، إنه لم يعد إنسانا وإنما صخرة:
يقولون دار الناس ترطب أكفهم * ومن ذا يداري صخرة ويذيبها والحق ان مهيار ما كان غافلا عن حقيقة الزمان والناس وطبيعة العلاقات الاجتماعية، كان يدرك هذا كله تمام الادراك:
وما أطمعتني أوجه بابتسامها * فيؤيسني مما لديها قطوبها وكان يدرك أيضا سبل الوصول ووسائل نيل المطالب في ظل المجتمع الذي يعيش فيه:
وفي الأرض أوراق الغنى لو جذبتها * لرف على أيدي النوال رطيبها ولكن هذه السبل ليست سبله كما أنه لا يرضى اتباع تلك الوسائل إن في المرعى لأوراقا خضراء يانعة ولعشبا طريا ولكلأ خصيبا شهيا ولكن ما نفع هذا كله إن كانت الإبل الجائعة تأنف من هذا كله وتمجه إن مهيار الديلمي يرفض سبلا تحقق الذات ويرتضي سبلا أخرى وشتان ما بين دربي الوصول إلى " مرمى العز "، ولنسمعه يشير إلى هذا في صورة حسية مقتلعة من الواقع، وكأنها تضع الحقيقة أمامك مصورة فتراها وتلمسها:
إذا إبلي أمست تماطل رعيها * فهل ينفعني من بلاد خصيبها يسعى مهيار إلى المجد، ويجد في سبيل ذلك مصارعا الدهر، ويعي سبل الوصول ولكنه بدلا من أن يمتطي مطايا الركب يشكو الزمان والناس. فلم الشكوى؟ ولماذا لا يحقق ما يصبو إليه وبخاصة أنه يرى الحياة القانعة من دون قيمة؟
ليس من شك في أن هذا السؤال الذي تثيره قراءتنا لتجربة مهيار مع الدهر سؤال كبير، وهو لا يخص مهيار وحده، وإنما يعني الإنسان في كل زمان ومكان، إذ انه يثير مشكلة الانسان وسلوكه في هذه الحياة سواء أ كان ذلك من حيث طبيعة هذا السلوك أم من حيث أهدافه وسبل تحقيق هذه الأهداف وتعارض ذلك أو توافقه مع التوجه العام وحقوق الآخرين.
يسمي مهيار ما يصل إليه الناس من مناصب وغنى " حظوظا "، وهو يعرف الطرق إلى هذه الحظوظ، ولكنه يرفض أن يسلكها، والأمثلة التي تؤكد هذا كثيرة نذكر منها:
- ويا نيل الحظوظ، أما إليها * بغير مذلة منها طريق - فلو قنن الجبال زحفن جنبي * وقعن أخف من منن الرجال - فما تراني أبواب الملوك مع الزحام * فيها على الأموال والرتب - وعابوا على هجز المطامع عفتي * وللهجر خير حين يزري بك الوصل ويبدو مهيار، في موقفه هذا، منسجما مع نفسه، فيناقشه مع فتاته وفق مبادئ أساسية ينطلق منها في سلوكه، تلومه فتاته فيجيب:
وقد كنت ذا مال مع الليل سارح * علي، لو أن المال بالفضل يكسب ولكنه بالعرض يشرى خياره * وينمي على قدر السؤال ويخصب وما ماء وجهي لي إذا ما تركته * يراق على ذل الطلاب وينضب في ما قرأناه كشف لواقع ورفض له وأنفة عن الانخراط في جموعه وعن الوقوع في شباكه، ويندرج هذا الموقف في إطار رؤية شاملة تنظر إلى الإنسان بوصفه سيد المخلوقات، وقد خلق حرا يجهد لتحقيق غاية كبرى، وهذا كله ليس ملكه وليس من حقه أن يفرط فيه ويريقه في غير ما خلق له ينطلق مهيار إذا في دروب المجد من مفهوم سر الخلق ومن أن الله كرم الإنسان وعلى الإنسان أن يحافظ على ما أودع الله فيه، وانطلاقا من هذا المفهوم يبقى ظمانا، يعرف دروب الري، ويرفض سلوكها لأن المذلة فيها والمذلة أشد حرارة وأقسى ولنقرأ هذا البيت ولنلاحظ الصورة فيه والتلاعب بالأضداد وفي هذا إضاءات وإيجاءات تسكن الحالة في القلب حارة الطلوع من تنور المعاناة:
أظمى، وريي في السؤال، ولا يفي * حر المذلة لي ببرد الماء ويدرك مهيار نتائج موقفه، ويلمس الواقع الذي توصله إليه خياراته ولكن لا يأبه لهذا، إذ ان له مقاييس تختلف عن مقاييس الآخرين، فليس مهما ما يجري في الخارج، فالمهم ما يجري في داخل الذات الانسانية، المهم أن يبقى الجوهر صافيا وأن يبقى الهم دافعا ومؤرقا:
وإن هوى بي أو حطني حمق * الحظ، فهمي يسمو ويرتفع، ... نفسي أحجى من أن تحلم * بالوعظ، وقلبي بالمجد مضطلع، والواضح أن مهيار يعي أن معركته المريرة مع الدهر طويلة، وأن سبله شاقة، فيختار الصبر الذي يكشف ويحرض ويدل على الصواب:
- لله قلب حسن صبره * ما سئل الذلة إلا أبى - شفى الله نفسا لا تذل * لمطلب وصبرا متى يسمع به الدهر يعجب وصدرا إذا ضاقت صدور رحيبة * لخطب تلقاه باهل ومرحب ولا يكون صبر مهيار العجيب مسالمة للدهر وركونا لأحداثه وناسه، وإنما هو نوع من تعرف " جريح زمانه " إلى سبل مداواة قروحه والانتصار عليها سالمت دهري قبل أعلم أنه * فيمن يهادنه السلامة طامع فالآن أصميه بسهم ما له * في قلبه إلا المنية نازع
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301