مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
وتقتضي طبيعة هذا الصراع أن يتحمل الإنسان كل ما يتعرض له، فيسغب والثرى عمم ويظما والغيث مسكوب:
- إني لأسغب زهدا والثرى عمم * نبتا، وأظما وغرب الغيث مسكوب وإن ليم في ذلك يجيب منكرا كل ما يعرضونه من إغراءات ليست مكاسب حقيقية ولا يريد أن يوهم نفسه بها، وإن لم يكن سواها فالجوع أفضل من الشبع في هذه الحالة، إنه خيار ينطلق من رؤية عميقة وشاملة للحياة والعالم وسبل تحقيق الذات:
أ أشري بعرضي رفد قوم معوضه * وأشعر نفسي أن ذلك مكسب فاقعد إذا السعي جر مهضمة * وجع إذا ما أهانك الشبع ويكون الصراع مع الدهر أشد مرارة وقسوة عندما يقف الإنسان وحيدا في دروب الحياة يحس وحشة الغربة في غياب الصديق والحبيب.
يفهم مهيار الصداقة أخوة وشد أزر وقت الشدة:
قلبي للأخوان شطوا أو دنوا * وللهوى ساعف دهر أو نبا ولكن هؤلاء الأصحاب يكونون وقت الشدة كاليد الشليلة:
وصاحب كاليد الشليلة لا * يدفع بها شيئا فيندفع يتلونون ويتغيرون بتغير الأحوال، أحوالهم وأحوال صديقهم:
كم أخ غيره يومه * المقبل عن أمس به الذاهب كنت وإياه زمان الصدى كالماء * والقهوة للشارب وفرق كبير بين أن يكون حمامة حينا عقربا حينا آخر:
يطير لي حمامة فان رأى خصاصة دب ورائي عقربا يرفض مهيار هذه الأسس في التعامل، فلا يكون ذا وجهين، ويتحمل الكثير:
وصاحب كالجرح أعيا سبره * وجل عن ضبط العصاب والقمط حملته لا أتشكى ثقله * كي لا تقولوا: طرف أو مشترط ويعاتب برقة وحنو وطهارة:
أيها العاتب ما ذاك *، وما أعرف ذنبي؟
أتظن الدمع دينا * تتقاضاه بعتبي...
ويبقى ودودا مخلصا يحرص على الصديق ويتالفه شريطة ألا يؤدي هذا إلى الذل، إذ أن هناك حدودا ينبغي ألا تتجاوزها العلاقة بين الطرفين وإن تجاوزتها يكون لمهيار موقف واضح، فهو يختار البعد الأجمل:
إذا لم يقرب منك إلا التذلل وعز فؤاد فهو للبعد أجمل سلوناك لما كنت أول غادر * وما راعنا في الحب أنك أول وقد يختار الهجر إن اقتضى الأمر ذلك، ويدافع عن موقفه قائلا:
أأنت على هجر اللئام معنفي * نعم أنا ثم فارض عني أو أغضب توصله هذه التجربة المريرة مع الآخرين والأصدقاء منهم بخاصة إلى القول:
طهر خلالك من خل تعاب به * واسلم وحيدا فما في الناس مصحوب نلمس في هذا كله شخصية تكاملت عناصرها ورؤية شاملة عميقة نفاذة تبلورت: منطلقات وأدوات ومفاهيم وتوجها، ونلمس أيضا حرصا على نقاوة هذه الشخصية ورؤيتها وكأنها جوهر كريم ينبغي أن يسلم فلا يعاب ولا يخدش، ولنسمعه يخاطب من يطلب منه تغيير سلوكه غير المجدي في هذه الحياة، بعد أن كبر ولم يحرز مالا أو منصبا:
قالوا ارتدع إنه البياض وقد * كنت بحكم السواد ارتدع لم ينتقل الشيب لي طباعا ولا * دنسني مثل صقله طبع ثم يؤكد حقيقة موقفه وطبيعته فيقول:
يا ناقد الناس كشفا عن جواهرها * متى تغير عن أعراقه الذهب وهو يعرف تمام المعرفة الأسباب التي أوصلته إلى ما هو عليه، فيذكر أسباب إخفاقه في تجربته مع الزمان والناس قائلا:
أذنبني الحب والاخلاص عندكم * فان ذنبي إلى أيامي الأدب.
5 - الإنتماء والهوية نظام الحكم وبديهي أن من يمتلك مثل هذه الرؤية ويتخذ مثل هذه المواقف أن يرى إلى الإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا تتحدد قيمته بما يملكه من إمكانات ومؤهلات وبما يطمح إلى تحقيقه وبسبله التي يتبعها لتحقيق ذاته وتحسين مشروعه... بديهي أن ينظر إلى الجوهر الإنساني الذي يبقى ضياء يشع ويضئ في دروب الدنيا مثل الذهب، دونما أي اهتمام بالمؤثرات الخارجية كالعرق والنسب والإقليم، ولكن هذه الرؤية التي تقيم الإنسان باعتباره فردا يملك امكانات وطموحات وسبلا ومفاهيم كانت تصطدم برؤية المجتمع الذي كان يعيش فيه مهيار إلى الموضوع.
إن لهذا المجتمع مقاييسه الأخرى في التقييم، وقد اصطدم مهيار بهذه المقاييس في مجالات من الحياة عديدة، كانت أقساها تجربته في علاقته بالجنس الآخر، نعني تجربة حبه لفتاة كانت تختلف عنه نسبا.
كانت فتاة مهيار جميلة، صعبة القياد، ذات دلال ياسر، تبخل ولا تفي بالوعود، كأي حبيبة عرفها الشعر العربي من قبل، ولكن مهيار يوظف بعض المفارقات في لعبة فنية، فهي بخيلة وقومها عرفوا بالجود ويريد من قومها الذين عرفوا بحفظ الجوار أيضا أن يؤنسوا فؤاده الذي التجأ إليهم ويردوه إليه، وفي هذا إشارة من طرف خفي إلى موقف قومها منه، وكأنه يحثهم في إطار لعبة فنية على إنصافه وهم الذين اتصفوا بصفات يريد لها الآن أن تفعل فعلها، ولنقرأ بعض ما يقوله مهيار في هذا الصدد:
... من العربيات شمس تعود * بأحرار فارس مثلي عبيدا إذا قومها افتخروا بالوفا * ء والجود ظلت ترى البخل جودا ولو أنهم يحفظون الجوار *، ردوا علي فؤادي طريدا تعجب به الفتاة في نادي قومها، ولكنها تسال عن نسبه يسرها ما تعلمه عنه وعن أخلاقه غير أنها تريد أن تعلم ما حسبه.
أعجبت بي بين نادي قومها * أم سعد فمضت تسأل بي سرها ما علمت من خلقي فأرادت علمها ما حسبي قوة أخرى سوى شخصية الفرد ورؤيته ومؤهلاته نتحكم هنا انها تلغيه لتحل
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301