من الأخبار الكثيرة (1) على استحباب التبكير للمسجد في يوم الجمعة، بناء على اعتبار تقديم الغسل في حصول وظيفة التبكير كما يفيده بعض الأخبار (2) بل كاد يكون صريح المرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) المنقول عن رسالة الشهيد الثاني في أعمال الجمعة " من اغتسل يوم الجمعة ثم بكر وابتكر ومشى " إلى آخره. وعن أبي الصلاح التصريح به، فلا جهة للجمع حينئذ بينهما بالتبكير وتأخير الغسل لقرب الزوال، مع عدم تيسره غالبا، وما فيه من التخطي لرقاب الناس، والتفرقة بينهم، ومن حكمة التبكير التجنب عنهما، كالجمع بالغسل للتبكير ثم تكريره قرب الزوال، لعدم الدليل على مشروعية ذلك.
نعم قد يجمع بينهما بتنزيل الأول على من لم يتسير له التبكير كما هو الغالب، والثاني على من تيسر له، مع ما فيه من أن ذلك تحكيم لأدلة التبكير على إطلاق المعظم استحباب التأخير من غير استثناء، ونمنع ندرة تيسر التبكير، نعم لا يفعل لا أنه لا يتيسر، وليس ذلك أولى من العكس بأن نخص استحباب البكور بعد الغسل بما إذا لم يتمكن منه في آخر الوقت، وقد يقال: إنه لا تنافي بين استحباب نفس التبكير وتأخير الغسل بحيث يحتاج إلى الجمع، بل ذلك من باب تعارض المستحبات على المكلف فيتخير أو يرجح، وإلا فالغسل للتبكير باق على مرجوحيته بالنسبة إلى آخر الوقت، وإن رجح التبكير على غيره من أنواع المجئ، ولا غضاضة في مشروعية مثل ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأوقات، ولعل كثيرا من المستحبات من هذا القبيل، فتأمل. وعن المفاتيح أنه خص استحباب تقديم الغسل بمريد البكور، وفيه مع بعض ما ذكرنا أن الإرادة لا تقضي الترجيح، والله أعلم.