وأما ما في هذا الوجه من أن عادة الله قد جرت على إيجاد القدرة والاختيار في العبد، فإذا لم يكن هناك مانع من إيجاد فعله فأوجده مقارنا لهما فيكون فعله مخلوقا لله سبحانه احداثا وابداعا.
فان أريد بذلك إيجاده تعالى فعل العبد مباشرة من دون دخل لقدرة العبد واختياره فيه فقد مر أنه مستحيل، لأن الفعل الصادر من العبد غير قابل لتعلق قدرته تعالى واختياره به مباشرة.
وإن أريد به إيجاده بالواسطة بمعنى أن مبادئ هذا الفعل ومقدماته الأولية بيده تعالى وتحت سلطانه فهو صحيح ولذلك يصح اسناده إليه تعالى، باعتبار أن المقدور بالواسطة مقدور، ولكن فعلية وقوعه في الخارج بيد العبد مباشرة وباختياره، فإنه إذا شاء تحقق بدون التوقف على مقدمة أخرى، لا أن وقوعه فيه مقارن لقدرته بدون التأثير لها فيه، فإنه خلاف الوجدان والفطرة السليمة.
ومن هنا يظهر أن سنة الله قد جرت على ذلك لا على مجرد التقارن الذي لا تقبله الفطرة والوجدان، والنكتة في ذلك أن سنة الله تعالى جارية في الكون على النظام العلي الطولي الساري في الكائنات برمتها لحاجتها الكامنة في صميم ذواتها ووجوداتها التي هي في الحقيقة عين الفقر والربط إلى أن تنتهي هذه السلسلة إلى الواجب بالذات الذي هو مبدأ الكل فالكل ينال منه.
تفصيل ذلك أن الكائنات بكافة أنواعها وأشكالها خاضعة للقوانين الطبيعية والنظم الخاصة التي أودعها الله تعالى في كمون ذواتها وصميم طبايعها ضمن اطار معين محدد وهي مبدأ التناسب والسنخية، والسر في ذلك أن العلل تملك معاليلها في صميم كيانها وكمون وجودها بنحو الأتم والأكمل وليست المعاليل موجودة مستقلة في قبال وجود عللها بل هي تتولد منها وتكون من مراتب وجودها