وتسليم أن الوجوب هو الطلب الشديد والاستحباب هو الطلب الضعيف، إلا أن نتيجة ذلك ليست ما أفاده (قدس سره) لا بنظر العرف ولا العقل، أما بنظر العرف فكما أن صفة الضعف خصوصية زائدة على ذات الشئ فكذلك صفة الشدة، ومن هنا تكون المرتبة الشديدة من الشئ بنظر العرف مباينة للمرتبة الضعيفة منه، لا أنه في المرتبة الضعيفة مشتمل على أمر زائد دون المرتبة الشديدة، وعلى هذا فالطلب الشديد والطلب الضعيف مرتبتان من الطلب كل منهما متخصصة بخصوصية زائدة على ذات الطلب، وإرادة كل منهما بحاجة إلى قرينة والاطلاق لا يفي إلا لإرادة الجامع دون الزائد عليه. وأما بالنظر الدقي العقلي، فكما أن المرتبة الشديدة عين الطبيعي الجامع في الخارج، فكذلك المرتبة الضعيفة، مثلا البياض ذات مراتب متفاوتة من المرتبة الشديدة إلى المرتبة الضعيفة، ومن الواضح أن كل مرتبة من هذه المراتب عين البياض خارجا لا أنها مركبة منه ومن غيره، بلا فرق في ذلك بين المرتبة الشديدة والمرتبة الضعيفة. أو فقل، أن مفهوم الشدة والضعف بالحمل الأولي الذاتي وإن كان مباينا للبياض، إلا أن الكلام ليس في ذلك، بل في واقعها بالحمل الشايع، ومن المعلوم أن واقعهما بهذا الحمل عين البياض خارجا بلا فرق في ذلك بين المرتبة الشديدة والمرتبة الضعيفة، فان المرتبة الضعيفة من البياض ليست مركبة منه ومن الأمر العدمي.
وحيث أن المتبع في باب الألفاظ إنما هو نظر العرف، فلا يمكن التمسك باطلاق الأمر الوارد في الكتاب والسنة لتعيين الوجوب وإرادته دون الاستحباب، لأن إرادة كل منهما بحاجة إلى قرينة، واطلاق الأمر لا يفي إلا لإرادة الجامع دون خصوصية زائدة، بل لا يمكن التمسك به بنظر العقل أيضا لأن الاطلاق لا يدل إلا على الجامع وخصوصية الشدة والضعف وإن كانت عين الجامع بنظر العقل لا زائدة عليه، إلا أن هذه العينية إنما هي في عالم الخارج لا في عالم المفهوم،