على أساس الغلبة التي لا قيمة لها شرعا.
وأما الثاني فقد مر، أن الوجوب والاستحباب في أنفسهما لا يتصفان بالشدة والضعف والكمال والنقض، وإنما يتصفان بهما بلحاظ مبادئهما، على أساس أنها روح الحكم وحقيقته. هذا إضافة إلى أن التمامية والشدة لا تصلح أن تكون منشأ للانصراف، لأن منشأ الانصراف إنما هو كثرة الاستعمال دون الكمال والتمام، فإذا فرض أن الامر موضوع للجامع بين الوجوب والاستحباب، فانصرافه إلى الوجوب عند الاطلاق منوط بكثرة استعماله فيه لا بتماميته ولو بلحاظ مبدئه.
فالنتيجة، أن كلا الأمرين لا يصلح أن يكون منشأ لظهور الأمر في الوجوب.
الثالث: أن الوجوب عبارة عن طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك، والاستحباب عبارة عن طلب الفعل مع الترخيص في الترك، فهما يشتركان في الجامع وهو الطلب المتعلق بالفعل ويمتازان في القيد، فان الوجوب مقيد بقيد عدمي والاستحباب مقيد بقيد وجودي، فإذا كانت للجامع حصتان وكان المميز لإحداهما أمرا عدميا وللأخرى أمرا وجوديا، فمقتضى اطلاق الدليل تعين الحصة الأولى دون الثانية، باعتبار أنها مقيدة بقيد عدمي فلا يحتاج بيانها إلى مؤونة زائدة ودليل آخر، بل يكفي في ذلك عدم نصب قرينة على إرادة الثانية، وعلى ذلك فإذا ورد أمر بشيء من قبل المولى ولم تكن قرينة على الترخيص فهو محمول على الوجوب (1).
والخلاصة: أن الاستحباب بما أنه مقيد بقيد وجودي فبيانه بحاجة إلى مؤونة زائدة وقرينة لكي تدل على قيده الوجودي، والوجوب بما أنه مقيد بقيد عدمي فبيانه لا يحتاج إلى مؤونة زائدة لأن القيد العدمي لا يحتاج إلى بيان مستقل.