هذا المقام ابتداء تصورا وتصديقا لا أنها تدل على ذلك بلسان الاخبار عن وقوع شيء في الخارج لكي تكون دلالتها على الوجوب آكد وأقوى من دلالة الأمر.
وأما على الوجه الثالث، فهي تشتمل على نكتة خاصة زائدة على دلالتها على الطلب المولوي، وبها تكون دلالتها على الوجوب آكد وأقوى من دلالة الصيغة عليه، وهي أن المدلول الوضعي التصوري في الجملة واحد في كلا المقامين وهو النسبة التي تلحظ باللحاظ التصوري فانية في مصداق ترى تحققه في الخارج، فالمرآتية مأخوذة في مدلولها الوضعي ولا اختلاف بينهما فيه وإنما الاختلاف بينهما في المدلول التصديقي، فإنه في مقام الاخبار قصد الحكاية عن وقوع شيء في الخارج وفي مقام الانشاء قصد طلب إيقاعه فيه، ومن الواضح أن طلب إيقاعه فيه لا محالة إما أن يكون بعناية افتراض تحققه فيه، باعتبار أن مدلولها الوضعي التصوري ذلك أو بعناية الحكاية عن تحققه فيه لا مطلقا حتى يكون كذبا بل من العبد الذي يكون مطيعا ومنقادا.
والخلاصة: أن المدلول الوضعي للجملة في كلا المقامين واحد وهو الشئ الفاني في مصداق يرى بالنظر التصوري تحققه في الخارج، وحيث إنها في مقام الانشاء مستعملة في نفس هذا المدلول، فعندئذ بطبيعة الحال تكون طلب ايقاعه في الخارج وانشائه فيه من العبد اما بافتراض المولى تحققه فيه منه بحيث يجعل طلب ايقاعه ملازما لوقوعه فيه، أو يكون ذلك من العبد الذي يكون في مقام الامتثال والطاعة لا مطلقا، وعلى كلا التقديرين فالجملة تدل على مدى اهتمام المولى بوقوع الفعل المطلوب في الخارج، فلذلك تكون دلالتها على الوجوب آكد وأقوى من دلالة الأمر على الوجوب مادة وهيئة، ولكن تقدم أن هذا الوجه غير تام.