وعليه، ففي مسألتنا هذه وما شاكلها على وجهة نظر من يرى أنها داخلة في كبرى باب التعارض فلابد من الرجوع إلى قواعد ذلك الباب على ما تقدم بصورة مفصلة. وعلى وجهة نظر من يرى أنها داخلة في كبرى باب التزاحم فلابد من الرجوع إلى مرجحات وقواعد ذلك الباب: كالسبق الزماني والأهمية ونحوهما.
أما الأول - وهو: السبق الزماني - فإن كان موجودا بأن يكون أحدهما سابقا على الآخر زمانا فلا مانع من الترجيح به، وذلك لما ذكرناه: من أن السبق الزماني مرجح في الواجبين المتزاحمين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا (1)، والمفروض: أن كل مرتبة من مراتب الأركان مشروطة بالقدرة شرعا وإن كانت الأركان بتمام مراتبها مشروطة بها عقلا، فإذا يتقدم ما هو الأسبق زمانا على الأخرى.
وأما الثاني - وهو الأهمية - فالظاهر أنه مفقود في المقام، وذلك لأنا لم نحرز أن المرتبة العالية من الركوع - مثلا - أهم من المرتبة العالية من الطهور، وبالعكس، كما هو واضح.
نعم، احتمال كون المرتبة العالية منه أهم منها موجود، ولا مناص عنه، ولا سيما بالإضافة إلى المرتبة العالية من الركوع والسجود، وذلك لأنا نستكشف من جعل الشارع التراب أحد الطهورين أن المصلحة القائمة بالطهارة الترابية ليست أدون بكثير من المصلحة القائمة بالطهارة المائية، وهذا بخلاف المرتبة الدانية من الركوع والسجود وهي الإيماء، فإن المصلحة الموجودة فيه أدون بكثير من المصلحة الموجودة فيهما، كما لا يخفى. وعليه فلابد من تقديمها على الطهارة المائية، لما تقدم مفصلا: من أن محتمل الأهمية من المرجحات (2)، فلا مناص من تقديمه على الآخر في مقام المزاحمة.
وأما الثالث - وهو: أن المشروط بالقدرة عقلا يتقدم على المشروط بها شرعا - فهو مفقود في المقام، لما عرفت: من أن كلتيهما مشروطة بالقدرة شرعا.