وهذا معنى تقديم الأهم على المهم. وأمثلة ذلك في الشرع والعرف كثيرة:
منها: ما إذا دار الأمر بين حفظ بيضة الإسلام - مثلا - وواجب آخر، فلا إشكال في تقديم الأول على الثاني في مقام الامتثال.
ومنها: ما إذا دار الأمر بين حفظ نفس مؤمن - مثلا - وحفظ ماله أو نحوه فلا ينبغي الشك في تقديم الأول على الثاني، لكونه أهم منه، وهكذا...
وأما في الصورة الأخيرة فالأمر أيضا كذلك. والوجه فيه: هو أن الأهم وإن كان متأخرا عن المهم زمانا إلا أن ملاكه بما أنه تام في ظرفه وأهم من غيره فلا محالة وجب حفظ القدرة عليه في وقته لئلا يفوت، ضرورة أن العقل كما يستقل بقبح تفويت الواجب الفعلي كذلك يستقل بقبح تفويت الملاك الملزم في ظرفه.
وعلى هذا حيث إن الإتيان بالمهم فعلا يوجب تفويت ملاك الأهم في ظرفه فلا يجوز، فيكون حكم العقل بوجوب حفظ القدرة عليه في زمانه معجزا للمكلف بالإضافة إلى امتثال المهم بالفعل.
وبتعبير ثان: أن الحاكم بالترجيح في باب المزاحمة حيث إنه كان هو العقل لا غيره فمن الواضح جدا أنه مستقل بتقديم الأهم على المهم في مقام الامتثال مطلقا، ولو كان الأهم متأخرا عنه زمانا - كما في مفروض المقام - فإنه يحكم بلزوم حفظ القدرة على امتثاله في ظرفه، لئلا يلزم منه تفويت الملاك الملزم فيه، ولا يحكم بلزوم الإتيان بالمهم فعلا، بل يحكم بعدم جواز الإتيان به، لاستلزامه تفويت ما هو الأهم منه.
ومثاله: ما إذا دار الأمر بين حفظ مال الإنسان - مثلا - فعلا وحفظ نفسه في زمان متأخر، بأن لا يقدر على حفظ كليهما معا، فلو صرف قدرته في حفظ ماله فعلا فلا يقدر على حفظ نفسه، ولو عكس فبالعكس، كما إذا فرض أن الحاكم حكم بمصادرة أمواله فعلا، وهو وإن كان قادرا على حفظ ماله بالشفاعة عنده إلا أنه يعلم بأنه يحكم بعد بضع ساعات بقتل نفسه، فلو توسط عنده فعلا لحفظ ماله فلا يقبل توسطه فيما بعد لحفظ نفسه، لفرض أنه لا يقبل توسطه في اليوم إلا مرة