وإن أريد التقيد بواقعها فلا يمكن، لان البعث متأخر عن الإرادة بمراتب، فلا يعقل تقيدها بها، والمعلول لا يمكن أن يتقيد بعلته، فضلا عن علة علته، أو كعلة علته في التقدم، للزوم كون المتأخر متقدما أو بالعكس.
نعم، يمكن أن يقال: إن الإرادة الحتمية لما كانت منشأ للبعث ب آلية الهيئة، فللبعث المنشأ بها تحصل غير تحصل البعث المنشأ بالإرادة الغير الحتمية بحسب نفس الامر، والواضع يمكن أن يتصور جامعا عرضيا انتزاعيا بين أفراد البعث الناشئة من الإرادة الحتمية، فيضع الهيئة بإزاء مصاديقه، فتكون هيئة الامر مستعملة استعمالا إيجاديا، و يكون وضعها عاما والموضوع له خاصا، وهو إيجاد البعث الخاص الناشئ من الإرادة الحتمية من غير تقيد بها.
وهذا التصوير وإن يدفع الاستحالة لكن التبادر والتفاهم العرفي يضاده، ضرورة أن المتفاهم (به) من الهيئة ليس إلا البعث والاغراء، كإشارة المشير لاغراء غيره، وكإغراء الجوارح من الطيور وغيرها، فكأن لفظ الهيئة قائم مقام تلك الإشارة وذلك الأغرأ.
وأما دعوى الانصراف إلى البعث الناشئ من الإرادة الحتمية (1)، فلا مجال لها، لان ملاك الانصراف الحاصل من أنس الذهن بكثرة الاستعمال مفقود، وغيره ليس منشأ له.