لإرادته، فهو كاشف عنها نحو كشف المعلول عن علته، فإن العقل يحكم بأن كل فعل إرادي لا يتحقق من الفاعل المختار إلا بإرادته، و بما أنه بعث نحو المبعوث إليه كاشف عن مطلوبيته، نظير كشف المعلول عن علته بوجه، فإن الداعي إلى الامر مطلوبية فعل المأمور به.
فدلالة الامر على الإرادة المتعلقة بصدوره وعلى مطلوبية الفعل المأمور به ليست دلالة لفظية وضعية، بل دلالة عقلية كدلالة كل ذي مبدأ على تحقق مبادئه.
إذا عرفت ما ذكر يقع البحث في أن هيئات الأوامر هل تدل على الوجوب أم لا؟ وعلى الأول: هل تكون الدلالة وضعية، أو بسبب الانصراف، أو لا هذا ولا ذاك، بل بمقدمات الحكمة تكون ظاهرة فيه، أولا تحتاج إليها - أيضا - فيه أو أنها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبية كشفا عقلائيا ككاشفية الأمارات العقلائية؟ وعلى فرض عدم وضعها للوجوب وعدم دلالتها عليه، فهل تكون حجة على الوجوب بحكم العقل والعقلاء أولا؟ وجوه:
أما الدلالة الوضعية: فإن يرد منها أنها وضعت للبعث المتقيد بالإرادة الحتمية، فهو ظاهر البطلان إن أريد التقيد بهذا المفهوم، ضرورة عدم إمكان تقيد البعث بالحمل الشائع بمفهوم أصلا، وقد عرفت أن الهيئة وضعت له.