المبحث الثالث في أن الهيئة تدل على الوجوب أم لا؟
بعد ما عرفت أن الهيئة وضعت للبعث والاغراء، يقع الكلام في أنها هل وضعت للبعث الوجوبي، أو الاستحبابي، أو القدر المشترك بينهما، أو لهما على سبيل الاشتراك اللفظي؟ فلا بد في تحقيق ذلك من مقدمات:
الأولى: أنه تختلف إرادة الفاعل فيما صدر منه قوة وضعفا حسب اختلاف أهمية المصالح المدركة عنده، فالإرادة المحركة لعضلاته لنجاة نفسه عن الهلكة أقوى من الإرادة المحركة لها للقاء صديقه، و هي أقوى من المحركة لها للتفرج (1) والتفريح، فمراتب الإرادة قوة وضعفا تابعة لادراك أهمية المصالح أو اختلاف الاشتياقات، و اختلاف حركة العضلات سرعة وقوة تابع لاختلاف الإرادات كما هو ظاهر.
فما في تقريرات بعض أعاظم العصر رحمه الله - من أن تحريك النفس للعضلات في جميع الموارد على حد سوأ (2) - كما في تقريرات بعض المحققين (3) رحمه الله - من أن الإرادة التكوينية لا يتصور فيها الشدة والضعف - مخالف للوجدان والبرهان: